بعد أقل من عام من تفشي جائحة كوفيد-19، تصدت العديد من فرق البحث العلمي للتحدي وقامت بتطوير لقاحات فعالة، وتم في العام الحالي إعطاء 3.2 مليار جرعة لقاح حول العالم، ويجري حالياً تقديم 37.3 مليون جرعة كل يوم. في الواقع، تلقى 24% من سكان العالم جرعة واحدة على الأقل من لقاح كوفيد-19. وهذا في حد ذاته إنجاز كبير، ولكن لا تزال هناك حاجة لبذل مزيد من الجهود لتطمين الناس وتقليل التردد بشأن تلقي اللقاحات وضمان توفرها في البلدان الأقل ثراءً.
وأشار التقرير الأسبوعي لمجموعة بنك قطر الوطني QNB ، إلى أن الفيروسات تتحور باستمرار، بما في ذلك فيروس سارس-كوف-2 الذي يسبب كوفيد-19. والطفرة الجينية للفيروس هي عملية عشوائية. وفقاً لنظرية داروين حول البقاء للأقوى ، فإن عملية التطور تنتقي بشكل طبيعي طفرات الفيروس التي تصيب الخلايا البشرية بسهولة أكبر، وقد ظهرت العديد من السلالات الجديدة من الفيروس منذ بداية انتشار الجائحة، ولكل منها مجموعة من الطفرات. حتى الآن، حددت منظمة الصحة العالمية أربع سلالات مثيرة للقلق وتشير إليها المنظمة بالأحرف اليونانية: ألفا، وبيتا، وغاما، ودلتا.
وقال التقرير: هذا الأسبوع، سنتطرق لتداعيات السلالات المثيرة للقلق من خلال الإجابة على ثلاثة أسئلة: هل توفر اللقاحات حماية من السلالات المثيرة للقلق؟ هل توفر بعض اللقاحات حماية أفضل من غيرها ضد السلالات المثيرة للقلق؟ هل يمكن تعزيز الحماية ضد السلالات المثيرة للقلق؟.
أولا: تُظهر بيانات المملكة المتحدة، التي تركز على السلالتين المثيرتين للقلق ألفا ودلتا، أن اللقاحات لا تزال توفر مستوى عالياً من الحماية ضد الالتهابات المصحوبة بظهور أعراض والتي تسببها السلالات المثيرة للقلق (الرسم البياني 1). وعلى وجه التحديد، فإن اللقاحات لا تزال توفر حماية كبيرة جداً من حالات الإصابة الشديدة بكوفيد-19. وتظهر الأبحاث أيضاً أن الحصول على جرعة ثانية مفيد بشكل خاص في تعزيز الحماية ضد متحور دلتا. ولذلك، فإن اللقاحات لا تزال توفر حماية من السلالات المثيرة للقلق، وخاصةً في تقليل الحاجة للعلاج بالمستشفى.
ثانيا: تم تطوير نوعين رئيسيين من اللقاحات للحماية من كوفيد-19، وتعمل اللقاحات التي تستخدم تقنية الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) عن طريق أمر خلايانا بإنتاج قطعة صغيرة غير نشطة من الفيروس (البروتين الشوكي)، مما يؤدي إلى حدوث استجابة مناعية داخل أجسامنا. ومن الأمثلة على اللقاحات التي تستخدم تقنية mRNA اللقاحان اللذان تم تطويرهما من قبل شركتي فايزر وموديرنا. أما اللقاحات التي تستخدم تقنية ناقلات الفيروس فهي تعمل بنفس الطريقة تقريباً، ولكنها تستخدم فيروسات غير نشطة لتحفيز الخلايا على إنتاج البروتين الشوكي، ويعتبر لقاح أسترازينكا مثالاً للقاح يستخدم تقنية ناقلات الفيروس.
تستجيب أجهزتنا المناعية للبروتين الشوكي من خلال تنشيط آليات دفاع متعددة، بما في ذلك الأجسام المضادة وما يسمى بالخلايا التائية (T-cells). واكتشف الباحثون في معهد لاجولا لعلم المناعة أن الخلايا التائية المأخوذة من الأشخاص الذين تلقوا لقاحات mRNA لا تزال قادرة على التعرف على السلالات المثيرة للقلق، وهذه هي إحدى الأسباب التي تجعل لقاح فايزر أكثر فعالية من لقاح أسترازينكا (الرسم البياني 2).
ثالثا: نعم، يمكن استخدام مزيج من لقاحات مختلفة، فقد أوصت هيئة اللقاحات الألمانية باستخدام لقاحات mRNA كجرعة ثانية للأشخاص الذين أخذوا الجرعة الأولى من لقاح أسترازينكا. في الواقع، تشير عدة دراسات إلى أن أخذ جرعة ثانية من نوع مختلف من لقاحات كوفد يوفر حماية أكثر من تلقي جرعتين من نفس اللقاح. وتبحث دراسات أخرى في أفضل مزيج من اللقاحات والفترة بين الجرعات. بالنظر إلى المستقبل، فإن شركات الأدوية تعمل أيضاً على تطوير جرعة داعمة كما يحدث سنوياً مع لقاحات الإنفلونزا.
وستظل النسخ المتحورة من الفيروس والسلالات المثيرة للقلق مشكلة خطيرة إذا ظل عدد الإصابات النشطة بفيروس كوفيد-19 عند مستوى مرتفع. لحسن الحظ، فإن اللقاحات الحالية وخاصة لقاحات mRNA توفر مستوى عالياً من الحماية ضد الإصابة الشديدة بكوفيد-19. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تحسين توقيت الجرعات وتطوير مزيج اللقاحات وتوفير جرعات داعمة إلى زيادة فعالية الحماية التي يوفرها اللقاح.
ونظراً للمستوى المرتفع بالفعل من التطعيم في عدد من البلدان الغنية، فإن إيصال جرعات أكبر من اللقاحات إلى البلدان الأقل ثراءً وتشجيع الأشخاص الذين لا يزالون مترددين بشأن أخذ اللقاح سيصبح أمراً متزايد الأهمية للحفاظ على معدل مرتفع من التطعيم على مستوى العالم. فكلما أسرعنا في تطعيم بقية سكان العالم ستقل فرص تحور الفيروس إلى سلالات جديدة مثيرة للقلق وستصبح اللقاحات أكثر فعالية في منع تفشي العدوى. ولذلك، فإن زيادة وتيرة التطعيم ستزيد من سرعة عملية إعادة فتح الاقتصاد العالمي وستجعلها أكثر شمولاً.