صعود مستمر لأسعار الغاز الطبيعي العالمية..

تخفيف القيود وارتفاع أسعار الفحم والنفط أبرز عوامل صعود أسعار الغاز

لوسيل

الدوحة - لوسيل

ترتفع أسعار الغاز الطبيعي المسال في جميع أنحاء العالم، مدعومة بالطلب القوي من قبل الصين وعدد من الدول الآسيوية، مما ساهم في ارتفاع الأسعار في أوروبا إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد، في حين تشهد الولايات المتحدة كذلك زيادة في الأسعار نتيجة ارتفاع درجات حرارة الطقس ونمو صادرات الغاز الطبيعي المسال، مما يوحي بأن سوقاً دولية متكاملة بدأت بالظهور مؤخراً، حيث تتحرك كافة مؤشرات الأسعار العالمية للغاز سوياً في نفس الاتجاه. مع العلم أن أسعار الغاز في الولايات المتحدة لا تزال تعد أرخص بكثير من غيرها، إذا ما استثنينا تكاليف نقل الغاز. وعلى المدى الطويل، تشير أساسيات العرض والطلب إلى استمرار صعود الأسعار لفترة طويلة، بالرغم من أن أسعار عقود الغاز طويلة الأجل لم تلحق بعد بالأسعار الفورية.

وأرجع تقرير صادر عن مؤسسة عبدالله بن حمد العطية الدولية للطاقة والتنمية المستدامة صعود أسعار الغاز إلى مجموعة من العوامل، فمع ارتفاع درجات الحرارة هذا الصيف، يزداد الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال، مدعوماً بتخفيف القيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كوفيد-19، فضلاً عن ارتفاع أسعار الفحم والنفط، والنمو الاقتصادي القوي حول العالم. كما يحاول المشترون الأوروبيون رفع حجم مخزوناتهم من الغاز، التي انخفضت كثيراً عن مستوياتها الاعتيادية، في الوقت الذي يساهم فيه التحول من استخدام الفحم إلى الغاز نتيجة ارتفاع أسعار الكربون في أوروبا، في زيادة الطلب على الغاز.

تغير السياسات

أما في آسيا، فقد ساهم تغير السياسات هناك في دفع أسعار الغاز نحو مزيد من الصعود. علاوة على ذلك، شهدت واردات الغاز الطبيعي المسال الأوروبية انخفاضاً بنسبة 18 بالمائة في النصف الأول من العام الجاري على أساس سنوي، وفقاً لبنك HSBC، ما أدى إلى تراجع العرض، في الوقت الذي انخفض فيه معدل توليد طاقة الرياح، وبالتالي زاد الطلب على الغاز، الأمر الذي غالباً ما سيستمر كعامل بالغ الأهمية في ميزان تقلبات الطلب الأوروبي على الغاز في المستقبل. كما تعد درجات الحرارة أحد العوامل المهمة وراء ارتفاع الطلب، حيث انخفضت درجات الحرارة في شهر أبريل الماضي، وارتفعت في شهر يونيو فوق معدلاتها المعتادة. وتزامن ارتفاع الطلب كذلك مع انقطاع في الإمدادات، إلى جانب عمليات الصيانة الدورية خلال فصل الصيف، وانخفاض الإنتاج المحلي.

وقدرت (شركة شل Shell) أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال سيزداد بما لا يقل عن 10 ملايين طن ليصل إلى 370 مليون طن هذا العام، بزيادة قدرها 2.8 بالمائة عن مستويات عام 2020، علماً بأن معظم تلك الزيادة ستأتي من دول آسيا. ومن المتوقع أن تكون أكبر زيادة في الطلب من قبل الصين، حيث قفزت واردات الغاز الطبيعي المسال هناك بنسبة 29 بالمائة عن العام الماضي لتصل إلى 39.8 مليون طن خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2021، وفقاً لبيانات ريفينيتيف، وذلك بعد الارتفاع الكبير العام الماضي عندما وصلت وارداتها إلى 67.4 مليون طن بزيادة تقارب 11 بالمائة مقارنة بعام 2019، على الرغم من تأثير انتشار الوباء على استهلاك الغاز. وتعد عوامل مثل استبدال أنواع الوقود الأخرى بالغاز، وارتفاع درجات الحرارة، والنمو الاقتصادي القوي، من أسباب ازدياد الطلب.

الخطوط الروسية

وعلى الرغم من أن قدرة الصين على استيراد الغاز سترتفع بنسبة 50 بالمائة تقريباً عما كانت عليه في أواخر عام 2020 لتصل إلى 107.9 مليون طن سنوياً بحلول نهاية هذا العام، فإن واردات الغاز الطبيعي المسال ستنافس ارتفاع إمدادات خطوط الأنابيب الروسية المخطط لها، وارتفاع الإنتاج المحلي.

ومن ناحية أخرى، شهد الطلب الهندي على الغاز الطبيعي المسال زيادة كبيرة عام 2020، والتي من المتوقع أن تستمر هذا العام بسبب الانتعاش الاقتصادي والتأخير في إنجاز مشروعات الغاز المحلية وتراجع إنتاج الحقول القديمة. أما في أمريكا الجنوبية، فقد أدى انخفاض الطاقة الكهرومائية في البرازيل وتراجع إنتاج الغاز في الأرجنتين وبوليفيا إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال هناك خلال فصل الشتاء في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.

مستويات قياسية

وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى دفع أسعار الغاز الطبيعي المسال إلى مستويات قياسية خلال هذا الوقت من العام مقارنة بعدة سنوات مضت، مما ساعد أيضاً على رفع الأسعار الأوروبية على مؤشري (NBP) و(TTF). وأفادت التقارير أن أسعار الغاز الطبيعي المسال لشمال شرق آسيا قد ارتفعت في بداية شهر يوليو إلى 14.50 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية البريطانية للشحنات التي ستسلم في شهري أغسطس وسبتمبر، وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2013، مقارنة بأدنى مستوى لها بعد فصل الشتاء والبالغ 5.60 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. ومع استمرار تقلب الأسعار الفورية بشكل كبير منذ أوائل عام 2020، حيث تأرجح المؤشر الرئيسي لشمال شرق آسيا بين 1.82 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية خلال الموجة الأولى من انتشار فيروس كوفيد-19 في أبريل الماضي، وأعلى مستوى قياسي له عند 32.50 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في يناير الماضي. ومع وصول أسعار الغاز الطبيعي المسال إلى ذروتها، سجل سعرTTF الهولندي أعلى مستوى قياسي له في الخامس من يوليو عندما بلغ 13.22 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بينما سجل عقد NBP أعلى مستوى له في 13 عاماً عند سعر 13.80 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في ذلك اليوم.

درجات الحرارة

أما في الولايات المتحدة، فقد أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى مستوى قياسي في شهر يونيو الماضي وارتفاع الطلب على الصادرات، إلى دفع أسعار الغاز على مؤشر هنري هب إلى أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات، بينما تجاوزت أسعار الغاز الفوري في جنوب كاليفورنيا الـ 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية منذ شهر يونيو وحتى أغسطس.

ومن المرجح أن يزداد تأثير أسعار الغاز الطبيعي المسال العالمية على أسعار الغاز الأوروبية بشكل أكبر مع انخفاض الإنتاج الأوروبي المحلي خلال السنوات القادمة، وزيادة قدرة أوروبا على استيراد الغاز الطبيعي المسال، علماً بأن الإمدادات الروسية ستظل تعد متغيراً رئيساً. وتجدر الإشارة إلى أن صادرات خطوط الأنابيب الروسية قد تراجعت مؤخراً إلى ما دون مستوياتها المعتادة، مما ساعد أيضاً على دعم الأسعار الأوروبية. ويرجع ذلك إلى أن (شركة غازبروم Gazprom)، أكبر مورد للغاز الطبيعي لأوروبا وتركيا، لم تحجز أي كميات إضافية للتصدير إلى أوكرانيا لعدة أشهر، ولا يبدو أنها مهتمة بحجز أي كميات للغاز مع بولندا في السنوات الأربع القادمة أيضاً. ويضيف هذا إلى الضغط الحاصل للإسراع في تشغيل خط أنابيب نورد ستريم ٢، وهو خط أنابيب مزدوج تحت الماء لنقل الغاز الطبيعي من روسيا مباشرة إلى ألمانيا، حيث قالت الولايات المتحدة وألمانيا إنهما لن تذعنا لهذا الضغط. ولكن إذا لم يتم توفير المزيد من الغاز الروسي من خلال نورد ستريم 2 أو من أي مكان آخر، فقد ترتفع الأسعار الأوروبية أكثر لتنافس المشترين الآسيويين في الحصول على مزيد من الغاز الطبيعي المسال.

وتيرة الصعود

يبقى السؤال يدور حول مدى إمكانية بقاء الأسعار الفورية مرتفعة، بالنظر إلى أن سوق الغاز الطبيعي المسال سيكون من الناحية الفنية في حالة وفرة العام المقبل، بشرط عودة كافة مصانع الانتاج للعمل. فعلى الرغم من ارتفاع الأسعار المفاجئ الشتاء الماضي، وارتفاعها هذا الصيف، قالت وكالة الطاقة الدولية في توقعاتها المستقبلية لسوق الغاز مؤخراً، ان هناك بعض الاختناق في هيكلية العرض والطلب الذي قد يستمر حتى عام 2024. لكن محللين آخرين كانوا أكثر تفاؤلاً، حيث يتوقع بنك HSBC أن يبدأ الاختناق اعتباراً من عام 2023، ومن المتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية الجديدة إلى 12 مليون طن سنوياً، مقارنة بزيادة الطلب التي ستبلغ 24 مليون طن سنوياً. بينما يرى بنك (مورغان ستانلي Morgan Stanley) أيضاً عجزاً محتملاً في القدرة الإنتاجية اعتباراً من عام 2023، وسيكون هناك حاجة إلى حوالي 60 مليون طن إضافية سنوياً من قبل المشاريع الجديدة لتلبية الطلب حتى عام 2030.

فيما لا يزال البعض الآخر أكثر تفاؤلًا، حيث تتوقع مؤسسة (وود ماكنزي Wood Mackenzie) أن يستمر الوضع الراهن حتى عام 2025 حيث سيستمر الطلب الآسيوي على الغاز الطبيعي المسال في الارتفاع. ومع أن الطلب قد يتجاوز الإمدادات الإضافية من الغاز الطبيعي المسال بين عامي 2021-2022، في ظل التوقعات ألا تتجاوز الطاقة الإنتاجية الجديدة لمصانع التسييل أكثر من 30 مليون طن سنوياً. وتعتبر السياسات والطقس أهم عوامل القلق. وفي المستقبل، قد يكون هناك ضغط أكبر، وخصوصاً أن السعة الجديدة للغاز الطبيعي المسال في عام 2020 لم تتجاوز 3 ملايين طن سنوياً، مقارنة بالتوقعات التي تصل إلى 60 مليون طن سنوياً، على الرغم من قرار دولة قطر بالمضي قدماً في بناء أربعة خطوط جديدة لتسييل الغاز في حقل الشمال، والتي سترفع الإنتاج بمعدل 49 مليون طن في السنة، قد خفف من حدة القلق إلى حد ما.