لبنان يكافح من أجل التصدي لتدفق اللاجئين السوريين

alarab
حول العالم 17 نوفمبر 2014 , 11:00ص
مدريد/ بيروت - د ب أ
قامت الحكومة اللبنانية بإدخال تغييرات جوهرية تصل إلى 180 درجة على سياساتها تجاه اللاجئين. فمنذ أكثر من أسبوعين، تمنع دخول اللاجئين السوريين، باستثناء الحالات الإنسانية، كما أصبحت تضع الكثير من الصعوبات أمام العائدين لبلدهم المنخرط في حرب أهلية منذ أكثر من ثلاث سنوات. وتؤكد السلطات اللبنانية أنها لا تعتزم إغلاق الحدود كليا، بل تحاول السيطرة على تدفق الأعداد الرهيبة من اللاجئين التي أرهقت البلاد ووضعتها في مأزق حقيقي.

في تعليق لـوكالة الأنباء الألمانية ( د. ب. أ ) تقول منى منذر، المسؤولة بالمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن "هناك تراجعا ملحوظا في أعداد اللاجئين الذين يتم تسجيلهم، منذ بدء تطبيق الإجراءات الجديدة". 

من جانبها تقول وسائل الإعلام المحلية أن، اعتبارا من الآن أصبح دخول لبنان بالنسبة للاجئين مقصورا على الحالات الإنسانية، وتقرير هذا الأمر بيد وزارتي الداخلية الشؤون الاجتماعية، أما كل من يعود إلى سورية مرة أخرى، فيتم سحب وثيقة اللجوء التي منحت له، كما بات معتادا التضييق على العمال السوريين الذين يعملون في لبنان ويسافرون لبلادهم لزيارة أسرهم. 

توضح منذر أنه "لم تقم السلطات اللبنانية بإحاطة الوكالة الأممية بالإجراءات الجديدة"، بالرغم من ذلك تقر بأن الحدود لم يتم إغلاقها نهائيا، كما أن الحكومة اللبنانية لم تجبر أي من اللاجئين السوريين على العودة لبلادهم قسرا. 

لكن لبنان فاض به الكيل، وزاد عدد اللاجئين السوريين عن قدرته على استيعابهم، يضاف إلى ذلك الوضع غير المستقر الذي يعيشه البلد العربي، بسبب عدم انتخاب رئيس إلى الآن، واضطرا ر البرلمان إزاء الوضع الراهن لتجديد ولايته التشريعية إلى عام 2017، تفاديا لحدوث فراغ سياسي في السلطة. في ظل هذه الأوضاع، يمثل تزايد أعداد اللاجئين ضغطا إضافيا على موارد الدولة وبنيتها الأساسية، كما يشكل خطرا إلى حد ما على الأمن القومي للبلاد. جدير بالذكر أن لبنان استقبل منذ اندلاع الأزمة السورية وحتى اليوم ما يزيد على مليون ومئتي ألف لاجئ، وهو رقم يفوق بكثير العدد الذي استقبله أي من البلدان العربية المجاورة لسورية، وبذلك أصبحت العاصمة اللبنانية بيروت من بين المدن الأعلى كثافة سكانية في العالم بسبب هذه الظاهرة. ووفقا لتقارير وكالة غوث اللاجئين أصبح واحد من كل أربع مواطنين مقيمين في لبنان لاجئا، وهذا يعني أن لبنان استقبل أكثر من ثلث اللاجئين السوريين البالغ تعدادهم رسميا ثلاثة ملايين و300 ألف لاجئ، بالإضافة إلى ما يربو على ستة ملايين نازح بسبب الصراع. تحملت لبنان هذه المهمة الثقيلة في وقت لا يمر فيه بأفضل أحواله. توضح المسؤولة الأممية منى منذر "يعاني لبنان جراء استمرار الأزمة السورية، من تراجع حاد في الأنشطة التجارية، ونقص الاستثمار الأجنبي، فضلا عن تأثر بالغ في الاستهلاك المحلي، وهو ما تسبب في أضرار كبيرة على صعيد الاقتصاد اللبناني ككل"، مؤكدة أن "وجود أكثر من مليون وربع المليون لاجئ يمثل عبئا إضافيا على كاهل الاقتصاد اللبناني، وهي مشكلة ليس من السهل التعامل معها". 

ويقيم اللاجئون السوريون منذ وصولهم إلى لبنان في تجمعات غير شرعية، نتيجة لرفض السلطات إقامة مخيمات لاجئين رسمية لهم، ربما خشية أن ينتهي بهم الأمر إلى الاستقرار بصورة مستديمة في بلادهم، على غرار ما حدث مع اللاجئين الفلسطينيين من قبل. 

أخيرا في أيلول/ سبتمبر الماضي، قررت الحكومة اللبنانية إقامة مخيمين للاجئين السوريين على الشريط الحدودي، أحدهما في سهل البقاع (شرق) والآخر شمال البلاد، على أمل تقنين أوضاع هذه الأعداد الضخمة من اللاجئين والسيطرة عليها ، بالرغم من ذلك، توضح منى منذر أن عوامل سياسية تدخلت وعرقلت تنفيذ القرار، وتم إرجاع الأمر إلى خلافات بين الوزارات المعنية حول الموضوع. 

ومن ثم لا يزال اللاجئون السوريون يعيشون في لبنان في أماكن تجمعات غير رسمية، أو في أفضل الحالات يتعايشون مندمجين مع السكان المحليين، في المناطق الأكثر فقرا في البلاد. في هذا الصدد تقول منى منذر "يتركز التجمع الأكبر للاجئين السوريين في المناطق الأكثر فقرا في لبنان، والتي تعاني البنية الأساسية للخدمات والمرافق بها من حالة تردي واضحة، حتى من قبل اندلاع الأزمة السورية. من جانبه، حذر رئيس الوزراء اللبناني، تمام سلام، في ملتقى حول اللاجئين السوريين في العاصمة الألمانية برلين، من عواقب هذه الوضع على الأمن القومي واستقرار البلاد، موضحا "بالإضافة إلى مشكلات الزيادة العددية، وتردي البنية التحتية من خدمات ومرافق صحة وتعليم، هناك شعور عام أن اللاجئ السوري، ينتزع العمل من يد المواطن اللبناني، وهذا الشعور يتولد عنه المزيد من العدائية والأحقاد". 

كما يتهم اللاجئون السوريون بالمسؤولية عن مشكلات أخرى يعاني منها المجتمع اللبناني، من بينها الارتفاع غير المسبوق في أسعار إيجارات المساكن، وتضاعف الطلب على العقارات، خاصة في مناطق تجمع المسلمين، مثل حي الحمرا، في بيروت حيث يقدر أن حجم الاشغالات الفندقية والشقق المفروشة، يناهز حاليا نسبة المئة بالمئة، فضلا عن تفاقم مشكلات الوقود والماء والكهرباء.

بالنسبة للطاقة، من المعروف أن لبنان من الدول المستوردة للطاقة، ويتم تزويد المواطنين بها بطرق معقدة، يشترك فيها القطاعان العام والخاص، وقد تسبب زيادة الأحمال على الشبكة نتيجة الوضع الراهن إلى انقطاع التيار المتكرر لساعات طويلة، خاصة وأنه تم رصد حالات سرقة كهرباء، على غرار ما يحدث في المخيمات اللاجئين الفلسطينيين".

يحذر تقرير صادر عن منظمة هيومان رايتس ووتش من أن هذه الأوضاع قد أدت لتزايد حالة انعدام اليقين في المجتمع. "هناك من يعترفون بأنهم كفوا عن ركوب التاكسي، منذ تحول الكثير من اللاجئين السوريين إلى العمل في هذا المجال". في الوقت نفسه يحذر التقرير من أن العديد من السوريين يتحولون أيضا إلى كبش فداء بسبب الأعمال الجنونية التي يرتكبها العديد من اللاجئين.

وهكذا تدهورت الأوضاع الأمنية في بلد يبدو أنه يبحر منذ زمن في مياه غير مستقرة، بسبب ظروفه السياسية وبسبب الخوف من انتقال عدوى الصراع الدائر في البلد المجاور إلى أراضيه، واحتمالية الانقسام بين أبناء المجتمع إلى جماعات موالية للنظام الشيعي الإيراني مثل حركة أمل وحزب الله، واللتان تقفان إلى جوار نظم بشار الأسد، وهو ما تفعله هذه الجماعات علانية بالقتال إلى جانب قواته، مقابل الأغلبية السنية الموالية للجيش السوري الحر والمقاومة عموما. 

ارتبط لبنان وسورية على مر التاريخ، بعلاقات وطيدة، تخللها أيضا فترات من التوتر والصعود والهبوط: كانت الشقيقتان بلدا واحدة أثناء الخلافة العثمانية وحتى 1920، ثم عادا بلدا واحد منذ الحرب الأهلية اللبنانية وحتى عام 2005، عندما تم اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وجرى اتهام سورية بالضلوع في الجريمة، وقد أدى ذلك إلى سحب القوات السورية من لبنان.

على أية حال، فإن الوجود السوري في لبنان أصبح واقعا مرة أخرى، إلا أنه على صعيد آخر وبمستوى مختلف كلية.