أثارت الميزانية الفيدرالية التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعام المقبل 2020 والتي قدمها للكونغرس مطلع الأسبوع الجاري عاصفة من الانتقادات والتعليقات في الأوساط السياسية والاقتصادية والإعلامية الأمريكية على الرغم من كونها ميزانية قياسية وغير مسبوقة، وتصل تقديراتها إلى 4.7 تريليون دولار، اعتمادا على توقعات بنمو اقتصادي قوي. وعلى الرغم من وصفها بأضخم ميزانية اتحادية إلا أن كثيرا من المحللين الاقتصاديين يصفونها بأنها قائمة أمنيات سيتم تغييرها ومراجعتها بشكل كبير من قبل الكونغرس، وأضافوا أن الميزانية المقترحة ليست محاولة جادة لتخفيض العجز والتعامل مع عبء الديون الأمريكية، كما أنها تظهر أن تقليص العجز المتضخم ليس من أولويات إدارة الرئيس ترامب.
لكن البيت الأبيض دافع عن الميزانية المقترحة، وقال إن الأرقام الواردة فيها ستضع الولايات المتحدة على الطريق الصحيح لتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات بحلول عام 2034، وأضاف أن إدارة الرئيس ترامب أعطت الأولوية خلال العامين الماضيين للحد من الإنفاق المتهور وإن الميزانية الجديدة هي ميزانية من أجل أمريكا أفضل، وتجسد المسؤولية المالية، وتعتمد على أن بالإمكان مواصلة النهوض الاقتصادي مع الاستمرار في الاستثمار في الأولويات الحرجة وإنهاء الإنفاق الهائل، وضمان الرخاء للجيل المقبل، ورأى أن سياسات إدارة الرئيس ترامب المؤيدة للنمو قد أطلقت العنان للاقتصاد الأمريكي، ونجحت في خلق ملايين الوظائف وأدت إلى تسجيل أرقام بطالة منخفضة لم تحدث من قبل، واعترف البيت الأبيض بأن الدين الوطني، الذي يتجاوز حاليا 22 تريليون دولار، لا يزال يشكل تهديدا خطيرا لازدهار الولايات المتحدة الاقتصادي والاجتماعي.
وتفترض الميزانية المقترحة أن يتجاوز العجز السنوي تريليون دولار العام المقبل وهو الرقم الأعلى خلال عقد، وأن تتحسن أرقام العجز المفترضة بحلول عام 2029، وتراجعه إلى 202 مليار دولار، ومع هذا الاحتمال ستبقى الديون قائمة على عكس تعهد الرئيس ترامب بسدادها. وفي الميزانية المقترحة لعام 2017، توقع البيت الأبيض عجزا قدره 488 مليار دولار فقط في السنة المالية 2020، لكن العجز المتوقع للعام المقبل في الميزانية الجديدة هو ضعف توقعات عام 2017 بسبب انخفاض 337 مليار دولار في تقديرات الإيرادات وزيادة 276 مليار دولار في تقديرات الإنفاق. ويقول المحللون إن التوقعات بتراجع العجز تعتمد على عدد من الافتراضات الوردية حول النمو الاقتصادي وخفض الإنفاق، إذ تفترض معدل نمو يبلغ حوالي 3 في المائة خلال العقد المقبل، وهذا أعلى بكثير من تقديرات كبار المحللين الاقتصاديين الذين يتوقعون معدلات نمو تقارب 2 في المائة سنويا خلال العقد المقبل. وتتوقع الميزانية أيضا زيادة قدرها 4.9 في المائة في موازنة الدفاع لتصل إلى 750 مليار دولار، وكذلك إنشاء قوة فضائية كفرع جديد للجيش الأمريكي. وتخفض الميزانية الإنفاق المحلي بمقدار 2.7 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، وهو أكبر اقتطاع في التاريخ الأمريكي.
وفي مؤشر على تمسكه ببناء جدار على الحدود مع المكسيك، تطلب موازنة الرئيس ترامب الجديدة تخصيص ثمانية مليارات وستمائة مليون دولار لتمويل الجدار الأمر الذي من شأنه إعادة إحياء التوترات بين البيت الأبيض والكونغرس.. ولتوفير هذا المبلغ يريد ترامب تحويل خمسة مليارات دولار من موازنة وزارة الأمن الداخلي وثلاثة مليارات وستمائة مليون دولار من موازنة وزارة الدفاع، لتخصيصها لمشروع الجدار. ويقول المحللون إن المقترحات الرئاسية للموازنة ينظر إليها غالبا على أنها مخططات تطلعية نادرا ما تفعل كسياسات، وأن مقترح ترامب للعام المالي الجديد الذي يبدأ في أكتوبر المقبل، يعد لمواجهة مع الكونغرس حول الأولويات، ومن بينها المبالغ المقترحة لإنفاقها على الجدار الحدودي مع المكسيك.
وتقترح الميزانية الجديدة تخفيضات على العديد من البرامج المحلية التي يفضلها المشرعون في كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي وقد سجل العجز 714 مليار دولار خلال السنة الأولى لترامب في منصبه ولكن من المتوقع أن يصل إلى حوالي 900 مليار دولار هذا العام، وفقا لمكتب الميزانية في الكونغرس، الذي يقول إن تخفيض الضرائب سيضيف 1.5 تريليون دولار إلى العجز على مدى 10 سنوات.
ويقول المحللون إن التفاهمات التي سادت قبل عقود بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي من أجل خفض العجز في الميزانيات السابقة لم يعد لها وجود وحلت محلها الصراعات والمنافسات الحزبية المريرة. ويعتقد المحللون أن المخاطر أكبر هذا العام، إذ يتزامن الموعد النهائي لتمويل استمرار عمل الوكالات الحكومية في أول أكتوبر مع موعد نهائي لرفع سقف الاستدانة والذي بدونه ستخاطر الحكومة بالتخلف عن سداد الديون مما سيهز أركان الاقتصاد العالمي.