بعد مخاض عسير وخمس عشرة جولة انتخابية، أصبح المرشح الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا كيفن مكارثي رئيسا لمجلس النواب الأمريكي، بحصوله على تأييد 216 صوتا، أهلته للفوز بعد أن صوت لصالحه بعض معارضيه من كتلة الحرية بالحزب الجمهوري، بينما أبطل آخرون أصواتهم لتنخفض عتبة الفوز إلى 216 بدلا من 218 صوتا.
يخلف مكارثي نانسي بيلوسي، التي ظلت رئيسة لمجلس النواب عن الحزب الديمقراطي على مدى أربع دورات سابقة، ليضع انتخابه نهاية لسيطرة الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس جو بايدن على مجلسي الكونغرس، وليصبح في الوقت نفسه ثالث أهم شخصية في السياسة الأمريكية بعد الرئيس ونائبه.
وأنهى انتخاب مكارثي رئيسا لمجلس النواب الأمريكي أزمة تاريخية وتوترات حادة بين الجمهوريين أنفسهم وفوضى، كما يقول المراقبون، من شأنها إضعاف موقفهم في وجه الرئيس الديمقراطي جو بايدن، كما وضع انتخابه حدا لأعمق خلل وظيفي بالكونغرس منذ أكثر من 160 عاما، وسلط الضوء بوضوح على الصعوبات التي سيواجهها في قيادة أغلبية طفيفة ومستقطبة بشدة.
ونجح مكارثي، البالغ من العمر سبعة وخمسين عاما، في مسعاه لمنصب رئيس مجلس النواب، بعد أن رضخت مجموعة النواب المؤيدين للرئيس السابق دونالد ترامب، والتي كانت تعرقل انتخابه، غير أن مشاهد الفوضى التي عمت الكونغرس تنذر بنقاشات حامية الوطيس خلال السنتين المقبلتين.
وجاء رضوخ هؤلاء النواب، بعد حصولهم على ضمانات أساسية من أبرزها إجراء يهدف خصوصا إلى تسهيل الإطاحة برئيس مجلس النواب، علما بأن أربعة نواب ظلوا يلقون بثقلهم لعرقلة المسار وإطالة التشويق حتى اللحظة الأخيرة، ما أثار حالة من البلبلة في مقر المجلس، غير أنه تم في نهاية المطاف ضبط الوضع على الأرجح بتدخل من دونالد ترامب، وهو ما أقر به مكارثي خلال مؤتمر صحفي أمس حين قال: إن الرئيس السابق أدى دورا حاسما في انتزاع آخر الأصوات اللازمة لانتخابه.
وربما تشير التنازلات التي قدمها مكارثي، والتي تضمنت تخفيضات حادة للإنفاق وغيرها من القيود على سلطاته، إلى مزيد من الاضطرابات خلال الأشهر المقبلة، وخصوصا عندما يحتاج الكونغرس إلى الموافقة على زيادة أخرى في سلطة الاقتراض البالغة 31.4 تريليون دولار.
ويقول محللون بالعاصمة واشنطن في هذا السياق: إن الرئيس الجديد لمجلس النواب الأمريكي سيكون مضطرا خلال الفترة المقبلة لتحديد مقدار الدعم الذي يستعد مجلس النواب لتقديمه لأوكرانيا.
وقد بادر الرئيس جو بايدن إلى تهنئة كيفن مكارثي، متمنيا أن يحكم على نحو مسؤول ولمصلحة الأمريكيين ، ويرى بعض المتابعين والمهتمين أنه لم يعد لبايدن - بعد فقدانه السيطرة على مجلسي الكونغرس منذ تنصيبه في يناير 2021، رغم حصوله على غالبية ضئيلة في مجلس الشيوخ - أمل في تمرير تشريعات رئيسية، وأن وعوده بقانون فيدرالي يكرس الحق في الإجهاض وحظر البنادق الهجومية، وإصلاح انتخابي واسع لحماية مصالح الأقليات في التصويت، باتت بعيدة المنال، حسب رأيهم، لكن مع مجلس شيوخ تحت سيطرة الديمقراطيين لن يكون أيضا بوسع الجمهوريين المساس بتدابير جرى اعتمادها في عهد الرئيس بايدن تعهدوا بنسفها، لكنهم وهم يسيطرون الآن على مجلس النواب، تعهدوا بإطلاق سلسلة من التحقيقات تتعلق بالسبل التي أدار بها بايدن جائحة /كوفيد - 19/، وكذا قرار الانسحاب من أفغانستان.
وقد شهد مجلس النواب مؤخرا أطول عملية إخفاق لانتخاب رئيس له منذ الحرب الأهلية الأمريكية، ويرى المراقبون والمتابعون للشأن الأمريكي أن فوز مكارثي بأغلبية ضئيلة قد يجعل فترة ولايته صعبة للغاية، في ضوء الانقسامات التي رافقت عملية انتخابه.
ولد مكارثي في 26 يناير 1965، ونشأ في عائلة من الطبقة العاملة، في حي كوليدج هايتس في بيكرسفيلد، وهي مدينة كبيرة في جنوب وسط كاليفورنيا تهيمن عليها الزراعة.
وفي سن الحادية والعشرين، بدأ مشروعه الصغير الخاص كيفن أوز ديلي وهو متجر صغير للأكل السريع، قبل أن ينتقل للخدمة العامة، ويدخل الكلية، ويتدرج في الدراسات العليا بجامعة ولاية كاليفورنيا، ليتدرب أثناء وجوده هناك، مع عضو الكونغرس بيل توماس، ويصبح فيما بعد عضوا في فريق عمله. وفي عام 2000 فاز في أول انتخابات عامة له بصفته وصيا على منطقة كيرن، وتم انتخابه بعد عامين من ذلك أي في 2002، لتمثيل المقاطعة في جمعية ولاية كاليفورنيا.
وعمل مكارثي مع زملائه في الجمعية ومجلس الشيوخ لتقليل عجز ميزانية كاليفورنيا، وإصلاح نظام تعويض العمال بالولاية، وتحسين مناخ الأعمال فيها لإيجاد المزيد من الفرص للعاملين والشركات.
وانتخب مكارثي لأول مرة عضوا في مجلس النواب الأمريكي عام 2007، وفي سنة 2019 أصبح زعيما للأقلية الجمهورية بالمجلس، وفي غضون العامين الأخيرين عمل بصفته زعيما للأقلية الجمهورية في مجلس النواب.
وبعد أن خسر الجمهوريون أغلبيتهم في الانتخابات النصفية عام 2018، وتقاعد رئيس مجلس النواب بول رايان، جرى انتخاب مكارثي زعيما للأقلية في يناير 2019، ليصبح بذلك أول عضو من الحزب الجمهوري من كاليفورنيا يشغل هذا المنصب.
يذكر أن مكارثي، العضو البارز في القيادة الجمهورية بمجلس النواب منذ عام 2014، كان مدافعا ثابتا عن دونالد ترامب، لكن علاقاته مع الرئيس السابق توترت بعد اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، وتدهورت بشكل أكبر عندما كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أنه أخبر زملاءه الجمهوريين عقب الهجوم، عزمه تقديم المشورة للرئيس بالاستقالة.