البنك الدولي.. تراجع أسعار السلع الأولية يقلل مخاطر التضخم العالمي

لوسيل

قنا

في وقت تتزايد فيه مخاوف الاقتصادات النامية والقطاعات المنتجة والمصدّرة للسلع الأساسية من استمرار الحواجز التجارية وتعقيد حركة التبادل السلعي، وما يرافق ذلك من مخاطر الكساد التجاري وارتفاع معدلات التضخم، إلى جانب تأثير الصراعات والاضطرابات في مناطق مختلفة من العالم على تدفق السلع الأساسية، أصدر البنك الدولي تقريره الجديد حول آفاق السلع الأولية ، الذي يرصد مؤشرات الحركة التجارية العالمية.

ووفقا للتقرير، من المتوقع أن تنخفض أسعار السلع الأولية عالميا إلى أدنى مستوياتها منذ بداية العقد الأول من القرن الحالي.

وبحسب التقرير من المتوقع أن يسهم هذا الانخفاض في تخفيف ضغوط التضخم على المدى القريب، لكنه في المقابل قد يفرض تحديات إضافية على الاقتصادات النامية المصدرة لهذه السلع، لا سيما في ظل تباطؤ النمو العالمي وتزايد وفرة الإمدادات، خصوصا من النفط.

ووفقا لتقرير البنك الدولي، فإنه من المتوقع أن تشهد أسعار السلع الأولية على مستوى العالم تراجعا بنسبة 12 بالمئة في عام 2025، ثم بنسبة 5 بالمئة إضافية في عام 2026، لتنخفض إلى مستويات لم تُسجل منذ عام 2020، ولاحظ التقرير أن من شأن انخفاض أسعار السلع الأولية الغذائية أن يوفر بعض الدعم للجهود الإنسانية لاسيما في ظل تقلص تمويل المساعدات المخصصة للأغراض الإنسانية لكنه لن يعالج العوامل الرئيسية للجوع الحاد والتي ترجع جذورها إلى حد بعيد إلى الصراعات الجيوسياسية.

وفي هذا السياق، فإن التوترات التجارية العالمية التي سادت في الفترات الماضية، والتي ألقت بظلالها على أسواق السلع الأولية، جاءت نتيجة مزيج من الصراعات الجيوسياسية المتزايدة والمخاطر الناجمة عن التغيرات المناخية المتكررة. هذه العوامل المجتمعة ساهمت في زيادة حالة عدم الاستقرار في أسعار السلع الأساسية عبر مختلف قارات العالم.

وعليه بدأت أسعار السلع الأولية تأخذ منحنى هبوطيا منذ عام 2023، مما أسهم في كبح جماح التضخم العالمي.

وقد كان لارتفاع أسعار الطاقة تأثير مباشر، إذ أضاف أكثر من نقطتين مئويتين إلى معدلات التضخم العالمي في عام 2022. غير أن تراجع أسعار الطاقة خلال عامي 2023 و2024 ساعد في تخفيض هذه المعدلات بشكل ملحوظ.

ويتوقع التقرير أن تستمر أسعار الطاقة في الانخفاض بنسبة 17 بالمئة خلال العام الجاري، لتصل إلى أدنى مستوى لها خلال خمس سنوات، على أن تواصل تراجعها بنسبة إضافية تبلغ 6 بالمئة في عام 2026.

ويتفق الخبراء الاقتصاديون بمجموعة البنك الدولي على أن الجمع بين شدة تقلبات الأسعار وانخفاض أسعار السلع الأولية سيؤدي إلى خلق مشكلات، ولذلك تحتاج الاقتصادات النامية إلى اتخاذ ثلاث خطوات لحماية نفسها، وهي: استعادة الانضباط في أوضاع المالية العامة، وتوفير بيئة داعمة لأنشطة الأعمال لجذب رأس المال الخاص، وتحرير التجارة حيثما أتيحت الفرصة .

وفي ذات الاتجاه قال إندرميت غيل، رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي والنائب الأول لرئيس شؤون اقتصاديات التنمية، حول ارتفاع أسعار السلع في السنوات القليلة الماضية: كان ارتفاع أسعار السلع الأولية نعمة للعديد من الاقتصادات النامية، فثلث هذه الاقتصادات كانت هي المصدر لهذه السلع ، ويضيف غيل لكننا نشهد الآن أعلى تقلبات في الأسعار منذ أكثر من 50 عاما .

وفي هذا السياق، قال الدكتور عبد الله الخاطر الخبير الاقتصادي، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: إن انخفاض مؤشرات الأسعار للسلع الأولية وتراجع مستوى التضخم بدأ منذ الفترة التي أعقبت جائحة كورونا، وهي ذات الفترة التي شهدت تراجع الطلب الاقتصادي العالمي، معتبرا أن التراجع في مستوى التضخم العالمي كان له أثر إيجابي ينعكس على القوة الشرائية للمستهلكين كما أنه يدفع بالنمو الاقتصادي للعديد من القطاعات.

وأضاف الخاطر أن مؤشرات قطاع الطاقة للنفط والغاز تعد من أهم المؤشرات الاقتصادية القيادية التي تعطي دلالات لحالة نمو الاقتصاد العالمي في مختلف القطاعات الصناعية، أو التجارية، أو قطاع الخدمات، مشيرا إلى أن تراجع أسعار النفط لمعدل 60 دولارا للبرميل في حد ذاته مفيد وله أثر بالغ على تراجع معدلات التضخم في العالم أجمع، ويعمل على خفض كلفة النقل الجوي والبحري والبري.

وفي ختام حديثه لـ/قنا/، حذر الدكتور عبد الله الخاطر من الدخول في مرحلة الجمود الاقتصادي أو التضخم السالب الذي يسلب أي رغبة في الإنتاج أو التصدير أو التصنيع لتدني الأسعار، مضيفا أن الوصول لهذه المرحلة من التضخم يدفع أصحاب الشركات والمشاريع لوقف العمل والتردد في دخول في إي إنتاج جديد لأنهم غير قادرين على توقع مستوى الأسعار بسبب التراجع العالمي.

وبدوره، رأى الدكتور عمر غرايبة عميد كلية الأعمال للشؤون الأكاديمية والجودة بالإنابة بجامعة آل البيت بالأردن، أن مؤشرات التراجع في الأسعار بحسب تقرير البنك الدولي تشير إلى عاملين رئيسيين: الأول تباطؤ الطلب العالمي نتيجة ظروف اقتصادية غير مستقرة، والثاني تنامي الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة، مما قلص من الحاجة إلى بعض السلع التقليدية، موضحا أن السلع الأولية تتسم بانخفاض القيمة المضافة وكثرة المنتجين، مما يجعل أسعارها شديدة الحساسية لأي خلل في التوازن بين العرض والطلب، ومع كون الطلب عليها غير مرن، فإن أي زيادة في الإنتاج لا تقابل بزيادة مماثلة في الاستهلاك، مما يؤدي إلى فائض في السوق وهبوط في الأسعار.

وأضاف غرايبة في تصريح مماثل لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، يعد انخفاض أسعار السلع الأولية أداة فعالة في كبح التضخم العالمي، حيث يسهم في خفض تكاليف الإنتاج من خلال تقليل أسعار المواد الخام، وهو ما ينعكس بدوره على المستهلكين بأسعار أقل للسلع والخدمات، ويدفع البنوك المركزية نحو تخفيف السياسات النقدية المتشددة.

وشدد على أن هذا التراجع لا يخلو من الأثر السلبي على الدول النامية، التي يعتمد جزء كبير من صادراتها على المواد الأولية، فهذه الدول قد تشهد انخفاضا حادا في عوائدها التصديرية، وتراجعا في إيراداتها من العملات الأجنبية، مما يضعف قدرتها على الاستثمار ويعطل جهود التنمية.

وفي المقابل، ينصح عمر غرايبة الدول النامية المستوردة للمواد الأولية، بإمكانية الاستفادة من هذا التراجع لتحسين ميزانها التجاري وخفض فاتورة وارداتها.

وحول إمكانية قراءة ما ورد في تقرير البنك الدولي باعتباره تعافيا في الاقتصاد الدولي وحركة التجارة بعد الإغلاق الاقتصادي الذي شهده العالم في السنوات الماضية إبان جائحة كورونا، رأى غرايبة أن تقرير البنك الدولي لا يظهر تعافيا شاملا بقدر ما يحذر من تباطؤ في الطلب العالمي، وهو ما يمكن أن يبطئ وتيرة الانتعاش، فالتعافي الحقيقي لا يقاس فقط بانخفاض التضخم أو تحسن التجارة، بل يتطلب تحسنا في مؤشرات النمو الاقتصادي، ومعدلات التوظيف، والقدرة الإنتاجية.

واختتم غرايبة حديثه لـ/قنا/، حول تقييم مؤشرات تقرير البنك الدولي بانخفاض أسعار السلع الأولية، بالتأكيد على أن هذه الظاهرة تحمل آثاراً مزدوجة، إذ تسهم في تخفيف الضغوط التضخمية من جهة، لكنها في الوقت نفسه تهدد استقرار الاقتصادات النامية وتثير تساؤلات حول استدامة النمو في ظل التحولات الاقتصادية العالمية المتسارعة.