شهدت الآونة الأخيرة وتحديدا منذ مطلع العام الجاري قيام بعض البنوك الإسلامية العاملة في الدولة بطرح بعض المنتجات المصرفية التي تتوافق مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية والمعايير والأطر الرقابية التنظيمية للهيئات الإشرافية وفي مقدمتهم مصرف قطر المركزي، حيث كانت حزمة المنتجات المصرفية التي طرحتها البنوك الإسلامية موجهة إلى شريحة واسعة من العملاء من فئة الأفراد في السوق المحلية.
وقد نفذت البنوك الإسلامية العاملة في الدولة خلال تلك الفترة حملات ترويجية لتلك العروض والمنتجات المصرفية التي تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية بهدف تحفيز العملاء الذين يمتلكون حسابات لدى تلك البنوك للاستفادة من كافة المنتجات والحوافز التي تم تقديمها هذا من جهة، كما كانت تستهدف تلك المنتجات المصرفية استقطاب عملاء جدد بما يساهم في توسيع قاعدة العملاء لدى البنوك وبالتالي تكون هناك انعكاسات إيجابية على الأداء التشغيلي للبنوك التي تتعامل وفقا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، خاصة أنه وفقا لما علمته لوسيل من مصادر مصرفية فإن التركيز سيكون منصبا خلال العام الجاري على التوسع في الأنشطة المصرفية في السوق المحلية نظرا للفرص المتميزة التي يوفرها، في ظل توسع الأنشطة التجارية والاقتصادية ودخول العديد من التدفقات النقدية والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة إلى السوق المحلي، بالإضافة إلى قرب موعد استضافة فعاليات كأس العالم لكرة القدم قطر 2022، والذي سيكون فرصة مناسبة لكافة البنوك والمصارف الإسلامية العاملة في الدولة للترويج لكافة أنشطتها سواء على الصعيد المحلي بدرجة أولى أو حتى على الصعيد العالمي، بما يساهم في جذب العديد من التدفقات النقدية في شكل ودائع غير المقيمة بما يساهم في رفع إجمالي ميزانية كافة البنوك والمصارف الإسلامية العاملة في الدولة، وهي التي نجحت خلال السنوات الخمس الماضية في التوسع بشكل كبير في السوق المحلي وحتى في الأسواق العالمية وجعلها تستحوذ على ميزانية مؤلفة من موجودات ومطلوبات تتخطى مستوى 1682 مليار ريال بما يعادل تقريبا نحو 462.08 مليار دولار أمريكي بنهاية العام الماضي وذلك وفقا للنشرة الخاصة بالميزانية المجمعة للبنوك والمصارف الإسلامية العاملة في الدولة والصادرة عن مصرف قطر المركزي.
إلى ذلك، فقد تمحورت تلك العروض والمنتجات المصرفية التي طرحتها البنوك الإسلامية العاملة في الدولة حول فتح الحسابات المصرفية وتحويل الراتب والتمويلات التي تتعلق بشراء وتملك العقارات خاصة وأن دولة قطر أرست خلال الأشهر الماضية العديد من القوانين والتشريعات التي كان لها الأثر الكبير على تنشيط القطاعات العقارية المختلفة وعلى رأس تلك القوانين والقرارات السماح بتملك الأجانب للعقارات داخل دولة قطر، كما أن دولة قطر سواء من خلال القطاع العام أو القطاع الخاص تواصل الاستثمار وضخ العديد من الأموال بالقطاعات المرتبطة بالبنية التحتية والمنتجات العقارية. كما تضمنت تلك المنتجات عروضا تسويقية حول الإيداع النقدي والادخار، وشهادات الإيداع وغيرها من المنتجات المرتبطة بالإيداع والتي تعود بالنفع على العميل من جهة، وعلى البنك من ناحية أخرى، من خلال تنمية الأصول التي يستحوذ عليها بما يسمح له بالتحرك في العديد من الاستثمارات والدخول في تمويلات ضخمة تحقق العائد على المدى المتوسط للبنك وللمساهمين فيه على المدى المتوسط بدرجة أولى وعلى المدى البعيد من خلال مواصلة حيازة ثقة المتعاملين مع تلك البنوك خاصة إذا كانت تمتلك أصولا مالية ونقدية عالية الجودة ومؤمنة بشكل كبير تسمح لها بالمرونة في السوق المحلية أو حتى في الأسواق المالية العالمية، في ظل الإشادة العالمية المتواصلة من قبل كبرى المؤسسات المالية العالمية تؤكد على قوة الجهاز المصرفي في الدولة ومرونته في مواجهة كافة التحديات والتقلبات سواء كانت المرتبطة بالأسواق المالية وأسعار الطاقة في الأسواق العالمية، أو المرتبطة بتقلبات ومتغيرات إقليمية وعالمية أخرى لها تأثيراتها على الأسواق المالية البنكية وعلى الاقتصاد العالمي بشكل عام.
ويقول في هذا الإطار محمد دمق المسؤول الأول عن التمويل الإسلامي في وكالة ستاندرد آند بورز والمتخصصة في التصنيفات الائتمانية والاستشارات المالية والاستثمارية العالمية، إن الصيرفة الإسلامية والبنوك الإسلامية القطرية على وجه التحديد تسجل يوما بعد يوم نموا متواصلا على مستوى السيولة لديها بدفع من العديد من المتغيرات التي ساهمت في تحقيق نمو الصيرفة الإسلامية في دولة قطر، وهو ما عكسه حجم الأصول المالية والمصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية خلال السنوات الأخيرة وذلك في تصريحاته خلال ندوة نظمتها ذا بانكر عن الصيرفة والتمويل الإسلامي لتقييم واقع التمويل الإسلامي بالإضافة إلى الحديث عن الآفاق المستقبلية للصيرفة الإسلامية على الصعيد العالمي بشكل عام في ظل المتغيرات التي سجلها العالم خلال العام الماضي وفي مقدمتها جائحة فيروس كورونا كوفيد 19 . كما تمت الإشارة في ذات الإطار إلى توقعات بأن يتواصل هذا النمو بشكل ملحوظ خلال الفترة القليلة المقبلة في ظل تركيز وتظافر الجهود من أجل زيادة نمو الصيرفة الإسلامية في الجهاز المصرفي داخل دولة قطر والذي يسجل بدوره نموا مستمرا على مستوى الميزانية المجمعة للبنوك والمصارف الإسلامية العاملة في الدولة.
وتقدر موجودات البنوك الإسلامية العاملة في دولة قطر بنهاية العام الماضي بنحو 450.6 مليار ريال بما يعادل تقريبا نحو 123.7 مليار دولار أمريكي، وبما يشكل تقريبا نحو 27.20% من إجمالي موجودات البنوك القطرية والتي تقدر بنحو 1656 مليار ريال وبما يعادل تقريبا نحو 455.01 مليار دولار أمريكي وذلك بنهاية شهر ديسمبر من العام الماضي. وتوزعت تلك الموجودات بنهاية العام الماضي إلى نحو 22.4 مليار ريال في شكل موجودات أجنبية بما يعادل تقريبا نحو 6.15 مليار دولار أمريكي. في المقابل فقد قدرت الموجودات المحلية وداخل دولة قطر بنحو 407.5 مليار ريال بما يعادل تقريبا نحو 111.95 مليار دولار أمريكي، وتضاف إليها الأرصدة التي تضعها البنوك الإسلامية لدى مصرف قطر المركزي والتي تقدر تقريبا بنحو 17.05 مليار ريال بما يعادل تقريبا نحو 4.68 مليار دولار أمريكي.
وسجلت البنوك الإسلامية العاملة في الدولة خلال الخمس سنوات الماضية قفزة ملحوظة على مستوى الأصول، حيث شهدت نموا كبيرا، حيث ارتفعت من نحو 322.8 مليار ريال بما يعادل تقريبا نحو 88.6 مليار دولار أمريكي وذلك في العام 2016، قبل أن تقفز إلى مستوى 352.2 مليار ريال بما يعادل تقريبا نحو 96.7 مليار دولار أمريكي في العام 2017، لتواصل نموها في العام 2018 إلى مستوى 352.1 مليار ريال بما يعادل تقريبا نحو 96.7 مليار دولار أمريكي، لترتفع في العام 2019 إلى مستوى 415.7 مليار ريال بما يعادل تقريبا 114.20 مليار دولار أمريكي، لتكون بذلك قد سجلت خلال 5 سنوات الماضية زيادة بنحو 127.8 مليار ريال بما يعادل تقريبا نحو 35.10 مليار دولار أمريكي، وبنسبة نمو مركب طيلة الخمس سنوات الماضية بنحو 8.69%. أما على أساس سنوي فقد سجلت زيادة بنحو 34.9 مليار ريال.
إلى ذلك، يقول رجل الأعمال والمستثمر يوسف أبوحليقة إن مستويات النمو المسجلة تعكس إقبالا متزايدا على الخدمات المصرفية التي تتوافق مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، حيث أصبحت الصيرفة الإسلامية تجتذب العديد من العملاء في السوق المحلية بالإضافة إلى كبار العملاء من خارج دولة قطر، وتابع قائلا بالنظر إلى المستقبل فإنه يتوقع أن تواصل الصيرفة الإسلامية القطرية توسعها في السوق المحلي وعلى المستوى الإقليمي والعالمي، خاصة بعد اعتزام مصرف قطر المركزي وقراره توحيد اللوائح الشرعية وجعلها مركزية، حيث إن هذا الإجراء من شأنه أن يساهم في تعزيز مناخ الثقة لدى العملاء بشكل كبير في الخدمات المالية والمصرفية التي تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى أنه سيدعم مستويات النمو بشكل كبير . كما أشار إلى أن سوق التمويل والصيرفة الإسلامية والاقتصاد الإسلامي في دولة قطر ككل آخذ في التنامي داخل السوق المحلي من يوم إلى آخر، حيث أصبح يستحوذ على مساحة كبيرة في التعاملات المالية والاقتصادية داخل دولة قطر، والتي أعلن عدد من المسؤولين عن القطاع المالي والمصرفي فيها عن وجود خارطة طريق لتطوير الصيرفة الإسلامية محليا نظرا للفرص الواعدة فيها والآفاق المستقبلية بما يساهم في تطوير الجهاز المصرفي من جهة من ثم بما يعود بالإيجاب على الاقتصاد الوطني للدولة.