تتداعى على الصومال أزمات تلو الأخرى ويقسو عليها المناخ والظروف الاقتصادية والسياسية لتواجه واحدة من أصعب حالات المجاعة والجفاف والفاقة على مستوى العالم، وفي الوقت الذي تتسارع فيه الجهود العربية والإسلامية والدولية لانتشال الصومال من عثرتها الإنسانية، فإن الموت يحصد أرواح المئات من الأطفال والعجائز بعد أن أنهكهم الجوع والعطش.
وتجتاح مناطق واسعة من الصومال موجات جفاف ومجاعة هي الثانية من نوعها خلال عام واحد بعد الموجة السابقة مطلع عام 2016 نتيجة تراكم عدة عوامل أهمها التغيرات المناخية التي أدت إلى انقطاع الأمطار على مدار ثلاثة مواسم متتالية، بالإضافة إلى ضعف المؤسسات الحكومية التي عجزت عن توفير الإمدادات الغذائية والعلاجية الطارئة لمواجهة مثل هذه الكوارث الطبيعية، وتزداد الأمور صعوبة في ظل توقعات باستمرار حالات الجفاف لعدة شهور قادمة مع اتساع رقعتها الجغرافية.
وتقدر المنظمات الدولية والمحلية رقعة الأراضي التي ضربتها موجة الجفاف الأخيرة بالصومال بنحو 637 ألف كيلومتر مربع، أي ما يقارب كامل أراضي الدولة المقدرة بنحو 637.657 ألف كيلومتر، وباتت حياة نصف سكان الصومال (10 ملايين نسمة) من بينهم أكثر من 3 ملايين طفل، مهددة بخطر الموت جوعا بسبب المجاعة. وبحسب تقرير للجنة الوطنية لمواجهة الجفاف ومقرها في مقديشو أصبح أكثر من 6 ملايين نسمة بحاجة ماسة إلى الغذاء والمياه، كما تسببت المجاعة أيضا إلى نفوق أكثر من 70% من المواشي في البلاد.
وتفتقر المنظمات الإغاثية لقاعدة بيانات دقيقة حول إعداد من لقوا حتفهم جراء الجفاف ومسبباته، إلا أن مصادر محلية بالعاصمة مقديشو تتحدث عن وفاة 1650 شخصا على الأقل معظمهم بوباء الكوليرا الذي انتشر في الأقاليم الجنوبية للبلاد. وتشير التقديرات الأممية إلى أن نحو 6.2 مليون شخص سيعتمدون كليا على المعونات الإنسانية في حياتهم حتى شهر يونيو المقبل، وأن ما لا يقل عن 360 ألف طفل يعانون من نقص حاد في التغذية، سبعون ألفا منهم مهددون بالموت فعليا ويحتاجون بصورة عاجلة إلى علاج طبي.
وحذر منسق الشؤون الإنسانية في الصومال بيتر دو كليرك من وقوع كارثة إنسانية كتلك التي شهدها الصومال في عام 2011، والتي راح ضحيتها ربع مليون شخص، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن وجود مجاعة في منطقة القرن الإفريقي منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا.
برنامج الغذاء العالمي من جانبه أعلن في نهاية مارس الماضي عن حاجته إلى تمويل سريع بنحو 374 مليون دولار لعمليات الإغاثة والتمويل الإنساني وتوفير المساعدات الغذائية للسكان في مختلف المناطق التي ضربها الجفاف في الصومال حتى نهاية يوليو 2017. وتحركت الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها مبكرا للفت أنظار العالم إلى أزمة المجاعة التي كانت تطل برأسها على الصوماليين، وحذرت قبل فترة طويلة من وقوع مجاعة حقيقة في الصومال خلال عام 2017 كما زار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، الصومال في مارس الماضي من أجل حشد المجتمع الدولي لإنقاذ الصوماليين من المجاعة.
من جهتها حاولت الحكومة المركزية في الصومال التصدي لأزمة الجفاف الأخيرة وشرعت في اتخاذ قرارات عاجلة لمواجهة الأزمة واحتواء الأضرار الناتجة عنها، وأعلنت عن تشكيل اللجنة الوطنية لمواجهة الجفاف ، إلا أن حجم الكارثة التي كانت تتسع دائرتها بشكل سريع، وقلة الإمكانات حالت دون تحقيق إنجازات كبيرة في هذا الإطار. وتعمل تلك اللجنة بميزانية ضعيفة تقدر بحوالي مليون ونصف المليون دولار تم جمعها من المواطنين الصوماليين في الداخل والمهجر، وتسعى إلى جمع نحو 21 مليونا أخرى لسد الفجوة التمويلية في عمليات إغاثة المتضررين في المحافظات الأشد تضررا.