"ما بعد الإنسان" 2/3

تقدم "بروتي"، مشاهد أربعة من الواقع لتقريب الفكرة التي يحتويه كتابها، ولكي تبرهن على قوة طرحها، المشهد الأول لصبي أطلق النار على زملائه في مدرسة ثانوية فقتل ثمانية أشخاص قبل أن يطلق النار على نفسه، وقبل المذبحة التي ارتكبها ظهر في شريط فيديو مرتديا قميصا كتب عليه "الإنسانية مبالغ فيها". المشهد الثاني يشير إلى خبر عن اضطرار الأشخاص في أفغانستان إلى أكل الحشائش من "أجل البقاء"، فيما "كانت الأبقار في المملكة المتحدة وأجزاء من الاتحاد الأوروبي تتغذى بالعلف المكون من اللحوم"، مضيفا بأن البقرة تحصل على دعم مالي يعادل نحو "803" دولارات في أوروبا و"1057" دولارا في أمريكا، و"2555" في اليابان، فيما دخل الفرد في كل من أثيوبيا وبنجلادش وأنغولا يبلغ "120" و "360" و "660" على التوالي، حيث "أصبحت الحيوانات تأخذ صفات إنسانية... ". المشهد الثالث يتحدث عن "جهاز الموت عن بعد الذي صنعته تقنياتنا المتقدمة"، ومثالا على ذلك "بريداتور" الأمريكي الذي أطلق" على العقيد معمر القذافي" من قاعدة القوات الجوية الأمريكية في صقلية وجرى التحكم فيه عبر الأقمار الصناعية من قاعدة تقع خارج لاس فيغاس"، وهو عمل يصنفه الكاتب كوجه من وجوه "ما بعد الإنساني للحرب المعاصرة"، كاف "لإشعارنا بالخجل من آدميتنا". المشهد الأخير، تراجع العلوم الإنسانية من المناهج الدراسية والجامعات، والخوف من "أن تختفي" نهائيا، والتي تسهم في تغذية "إنتاج معرفة ذات صلة اجتماعيا، وتتوافق مع المبادئ الأساسية للعدالة الاجتماعية، واحترام الآداب الإنسانية والتنوع، ومبادئ الحرية الأكاديمية ومناهضة العنصرية وتقبل الآخر والتسامح...". ولكن هل تكفي هذه المشاهد كمؤشر ينذر أو يعلن عن عالم "ما بعد الإنسان" ؟. تضيف "روزي" بعد استعراضها لهذه المشاهد بأننا "في حاجة إلى بناء مخططات اجتماعية وأخلاقية وحوارية جديدة لتشكيل الذات لتتواكب مع التغييرات العظيمة التي نمر بها". إنها تدعو إلى بناء الروح وتعزيز قيم الإنسان الأخلاقية. في محور يمهد لفكرة الكتاب، قدمت الكاتبة عرضا تاريخيا موجزا للأطوار والتحولات التي مر بها الإنسان، على مستوى الشكل والسلوك والمعرفة وأسلوب وأنماط العيش والتفكير... فيما تطرح سؤالا عن مرحلة ما قبل هذه التحولات، فيما إذا كان بالإمكان إطلاق مصطلح "إنسان" على المرحلة الزمنية التي سبقت التنوير والتحديث واطلاق قيم الحريات وحقوق الإنسان؟. "إن مفهوم الإنسان قد انفجر تحت ضغط مزدوج من التقدم العلمي المعاصر والمخاوف الاقتصادية العالمية. فبعد تدفق نظريات ما بعد الحداثة، وما بعد الاستعمار، وما بعد الصناعة، وما بعد الشيوعية، بل حتى ما بعد النسوية المشكوك في مصداقيتها، يبدو أننا قد دخلنا مأزق ما بعد الإنسان..."، و"تثير هذه المسألة تساؤلات خطيرة حول هياكل هويتنا المشتركة – بوصفنا بشرا – وسط تعقيد العلوم المعاصرة والسياسة والعلاقات الدولية. فتتكاثر النقاشات والتمثيلات حول ما هو ليس إنسانيا، ولا إنساني، ومعارض للإنساني، وغير إنساني، وما بعد الإنسان وتتعارض في مجتمعاتنا المعولمة التي تنظمها التكنولوجيا. وتتراوح النقاشات الدارجة ثقافيا بين تلك المهنية المعقدة المتعلقة بعلم الروبوتات وتكنولوجيا الأعضاء الصناعية وعلم الأعصاب والهندسة الوراثية...". وسط "قلق من فقدان الأهمية والسلطة "بحسب المنظور "السائد للإنسان". "يتبع".