تحسن الاقتصاد الأوروبي

عانت الاقتصادات الأوروبية كثيرًا في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008، واضطرت الدول الأوروبية تحت ضغط الأزمة إلى اتباع سياسات اقتصادية ومالية تقشفية، إلا أنها سرعان ما تحولت بعد ذلك إلى خطط للتحفيز المالي والتيسير الكمي، واضطر البنك المركزي الأوروبي إلى ضخ المزيد من الأموال شهريًا في شراء سندات المديونية واضطر كذلك إلى إجراء تخفيضات قياسية على أسعار الفائدة. وأثمرت هذه السياسات التي اتبعتها البنوك المركزية الأوروبية تحسن الأوضاع الاقتصادية في دول القارة العجوز، حيث أظهرت بيانات مجلس الإحصاء الأوروبي "يوروستات" انخفاض معدل البطالة في منطقة اليورو في شهر يوليو الماضي إلى 9.1% والذي يعد المستوى الأدنى للبطالة منذ فبراير 2009 كما أنه قد فاق توقعات الكثير من الخبراء والمتخصصين ومن ثم سيزيد من ثقة المستثمرين والمستهلكين في بدء تعافي اقتصادات دول منطقة اليورو. ولعل أهم ما يثير مخاوف متخذي قرار السياسات النقدية الأوروبية هو انخفاض معدل التضخم عن المعدل المستهدف من البنك المركزي الأوروبي والمقدر بنحو 2%، بما سيجبر البنك على الاستمرار في تطبيق سياساته الرامية إلى التحفيز المالي والاقتصادي وخفض أسعار الفائدة، وهو ما أظهره كذلك أحدث تقارير وكالة "كابيتال إيكونوميكس" الذي أكد الانخفاض الكبير في معدلات التضخم الأوروبية في شهر يوليو الماضي رغم الصورة الإيجابية لبيانات البطالة وسوق العمل بدول منطقة اليورو. واستدل مركز أبحاث "كابيتال إيكونوميكس" من ذلك على أن معدل التضخم في شهر يوليو الماضي لم يولد أي ضغوط تضخمية، وهو ذات الأمر الذي أكده تقرير صندوق النقد الدولي حول "الانتعاش الاقتصادي في منطقة اليورو" والذي حذر فيه من التأثيرات السلبية لانخفاض معدل التضخم ومن هشاشة وضع الكثير من البنوك الأوروبية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاقتصادات الأوروبية. أما عن معدلات البطالة على مستوى الدول الأوروبية فقد أظهر تقرير صندوق النقد الدولي أن أعلى معدل للبطالة في شهر يوليو الماضي قد سجل في اليونان التي تعاني مجموعة مشاكل مالية واقتصادية جمة حيث بلغ معدل البطالة بها 21.7%، وحلت إسبانيا في المرتبة الثانية بمعدل 17.1%، بينما ظل متوسط معدل البطالة في دول الاتحاد الأوروبي عند 7.7% والذي يُعد بمثابة المعدل الأقل منذ ديسمبر 2008.... وفيما يتعلق بمتوسط معدل التضخم بمنطقة اليورو في شهر يوليو الماضي فقد استقر عند1.3%، ومن الجدير بالذكر أن التضخم يعد مؤشرًا أساسيًا في التعبير عن طلب المستهلكين. وفيما يستهدف البنك المركزي الأوروبي معدل تضخم حول 2% لضمان زيادة الأسعار ومن ثم تنشيط الأسواق وتحفيز النشاط الاقتصادي، فقد اتخذ مجموعة من السياسات والإجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك الهدف وفي مقدمتها تثبيت سعر الفائدة عند مستويات منخفضة للغاية، وضخ مئات المليارات من اليورو في النظام المصرفي الأوروبي، وهو الأمر الذي أدى إلى إحداث حالة من الانتعاش الاقتصادي المتواضع في هذا العام، مما شجع مدير البنك المركزي الأوروبي "ماريو دراجي" على المطالبة بوقف ما يسمى "الائتمان السهل".