تهدف معظم الحكومات الى تحقيق النمو القوي مهما كانت التكلفة، حتى على حساب الحقوق والبيئة والعدالة والصحة. المهم تحقيق الربح دون النظر الى أوضاع الضحايا من فقراء وغيرهم. أنتج هذا الجشع خسائر كبرى وأمراضا حقيقية تكدست مع الوقت لتضع المجتمعات كلها في خطر. ساد التفكير أن الأسواق المالية هي التي تنتج النمو وبالتالي خلقت كل الأدوات التي تحقق الربح السريع المرتكز على مخاطر كبرى. قال الاقتصادي «مينسكي» أن الأسواق المالية تتعرض دائما للمضاربات الدورية التي تسبب في آخر المطاف أزمات كبيرة. قال أيضا أن النقطة المفصلية هي عندما تخف السيولة في السوق ويبدأ بيع الأصول وبالتالي تتجه الأسعار نزولا مما يسبب الكارثة. هذا ما حصل في معظم الأزمات وبالتالي الجميع قرأ ويقرأ «مينسكي». بعد أزمة 2008 تغير التفكير وأصبح التركيز على دور التكنولوجيا والابداع والعلوم في خلق النمو وتطويره. الربح عبر الأسواق المالية أسهل وأسرع وأخطر، لكنه مؤقت. عندما حصلت الأزمات وغاب النمو وارتفعت البطالة، ماذا فعلت الحكومات؟ زادت الانفاق العام لمواجهة الخلل في السوق ولتجنب حصول كارثة كما في 1929. ماذا كانت النتيجة؟ ارتفاع كبير في عجز الموازنات وفي الدين العام للتقليل من الخسائر الاقتصادية ومن الغضب الشعبي. بعده ولمعالجة الخلل المالي، قامت الحكومات بتطبيق سياسات تقشفية قاسية أغضبت الجمهور وسلبت بعض الحقوق وسببت فوضى في المجتمعات. ما هي العبر التي يمكن اتخاذها مما حصل وهل تمت المعالجة بشكل يجعلنا متأكدين أن التكرار مستحيل؟ لا شك أن العلوم تطورت وتقدمت، الا أن الاطمئنان الكلي هو في غير محله خاصة وأن قسما كبيرا من العلماء ما زال يؤمن بنظريات لا تشير الوقائع الى صحتها. كما أن التدريس في كليات الاقتصاد وادارة الأعمال العالمية ما زالت نظرية عموما. هنالك دور كبير للاعلام المتخصص يمكن أن يكون ايجابيا أو العكس. في العديد من الأحيان كان الدور سلبيا أي شجع لأسباب غير بريئة المستثمرين والمواطنين العاديين على التهور والمخاطرة. دفعهم نحو الجشع والمغامرة في وقت ليسوا مستعدين ماليا وعلميا لمواجهة التحديات. من يضبط هذا الاعلام المتخصص وغير البريء؟ لا شك أن هنالك أزمة في الصحافة المتخصصة العالمية. تبقى الدورات الاقتصادية موجودة وحية ولا بد من التنبه لحصولها. معظم الخاسرين اعتقدوا أن الصعود مستمر ولا نهاية له. حصل السقوط بشكل مفاجئ، فخسروا الكثير. كلما طال النمو الايجابي كلما زاد احتمال السقوط. من المؤشرات المخيفة هي الفوائد المنخفضة التي تشجع دائما على الاقتراض والاستثمار وبالتالي ترفع المخاطر. هنالك دور كبير للسلطات الرسمية في تنبيه المواطن الى المخاطر وفي تطبيق القوانين بقساوة وعدالة على المخلين بقواعد السلامة. هدف العقوبات ليس فقط محاسبة الماضي وانما خاصة زيادة سلامة المستقبل. تكمن المشكلة أيضا في أن مؤسسات الرقابة تتأثر أحيانا بالسلطات السياسية، فتخفف من صرامتها لإرضاء السياسيين. المطلوب اعطاؤها الحصانة الكافية.