تعبت يداها من مشقة العمل فقد كان لها بستان لا يظلم من ثمره شيء وقد علمت أنها كلما اجتهدت وتفانت في عملها كلما كان عائد بستانها أعظم، وأنه على قدر جهدها سيأتي ثمرها وأن وتيرة العمل واحدة وثابتة فهي اليوم كغدٍ وهذا العام كالعام القادم، وفِي يوم من الأيام اشتد عليها تعب يديها فقررت الذهاب الى الطبيب واختارت أفضل الأطباء رعاية منها لنفسها وتقديرا لجهدها في السنوات السابقة، وعندما وصلت عيادة الطبيب سر ناظرها بجمال المكان وكرم الاستقبال ودماثة الطبيب الذي أخذ بيدها وفحصها وقدم لها المشورة وكتب لها العلاج ورمقها بابتسامة الرضى والدعاء بالشفاء.
ولما خرجت طلب منها أن تدفع أجر الطبيب والذي كان مرتفعا نسبيا وخصوصاً عندما قارنته السيدة بعملها في البستان فذلك جهد جهيد وعائده محدود أما صديقنا الطبيب فلم يقض معها إلا دقائق محدودة، فثار غضبها وأحست بالغبن والخديعة والاستغلال ودفعت المال على مضض وغادرت ولم تبقِ ولم تذر فلم تترك أحداً ممن حولها الا وأفضت له النصيحة بأن الطبيب غبنها وان ميزان الحق اختل وزل، ولم تزل تلك الحادثة تؤرق صفو حياتها كلما مدت يدها في بستانها والتي عادت إلى سيرتها الأولى وتعافت بفضل الله على يد الطبيب، وشاءت الاقدار أن ترسل تلك السيدة ابنها ليدرس الطب ليختصر جهد البستان ويعظم العائد ويختصر الزمن، عندها أحست السيدة بحجم التعب والصبر والعمل الجاد الدؤوب وحجم المخاطرة والسنوات الطويلة التي يقضيها الطبيب ليصبح طبيباً، وحجم التضحيات التي يقدمها هم وأهله على مر سنوات طويلة ثم بعد ذلك حجم الاستثمار الكبير لتكون له عيادة، لتنتهي الصورة عند ذلك الباب الذي فتحته السيدة لتجد ذلك الطبيب البشوش ينتظر أن يعالج يدها.
إن العلاقة بين المخاطرة والعائد هي دائماً علاقة عكسية فإذا أردت ان تكتفي ببستانك هذا اذا كان لديك بستان فلا بأس في ذلك ولكن لا تتوقع أكثر من العائد الطبيعي للبستان والأهم من ذلك لا تنكر على الناس جهودهم ولا تبخس الناس حقوقهم ولا تنظر إلى ما آلت إليه الأمور ولكن تفكر كيف وصلت الأمور إلى ما هي عليه، وان السنين التي تذهب في العمل والجهد للوصول الى نقطة تحقيق العائد هي الضريبة التي لا يمكن تعويضها ولا شراء سنوات غيرها، فتحية لكل يد غرست وأنبتت في البستان وتحية لليد التى عالجت وتحية لكل من أقام حكمة الله في كونه في قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).
صدق الله العظيم
وإلى أن نلتقي هذه تحية وإلى لقاء..