دروس حوارية من كوريا

مهما تعقدت الأمور وتفاقمت النزاعات الأمنية والسياسية، يبقى إنتاج الغذاء وتوافره في كل المناطق هو الأهم للتنمية وللحفاظ على الحقوق الإنسانية. هنالك نزاعات كبرى تؤثر على القطاعات الاقتصادية وفي طليعتها الزراعة. العالم يعيش اليوم ظروفا انتقالية نتيجة تغيرات فرضت نفسها على الخريطة السياسية العالمية، منها رئاسة «دونالد ترامب» وسياساته المفاجئة في المنطقة العربية. من هذه التغيرات الأزمة الكورية التي يظهر أنها ستعالج بهدوء بعد القمم الكورية وبانتظار القمة الأمريكية الكورية الشمالية الثانية. كوريا فهمت أن الحوار هو الطريق الوحيد لتجنب حرب على أرضها وهذا ما نرفض فهمه في المنطقة ونصر على إبقاء التوترات قائمة. الحرب الكورية تؤذي الكوريين أولا، والحروب العربية تؤذي العرب أولا لكن الكوريين فهموا ذلك وينفذونه ونحن نتفرج بدءا من لبنان إلى بقية المنطقة. في كل حال، هنالك تدنٍ في أعداد النزاعات وعمقها، إلا أن حوالي 50 نزاعا يبقى في كافة المناطق وخصوصا في أفريقيا والشرق الأوسط ولا حلول. في الشرق الأوسط، يأتي في الطليعة النزاع العربي الإسرائيلي، والصراعات الخليجية والحروب المدمرة في سوريا واليمن. الحرب السورية المستمرة منذ 2011، لا تجد طريقا جديا وواضحا إلى الحل وما زال الدمار والخراب والخسائر تتواصل بسبب غياب الحوار الشفاف المسؤول المطلوب على الطريقة الكورية. أما مشكلة اليمن، فحجمها الإنساني والأمراض الكبيرة المنتشرة تجعل العالم يتساءل عما هي المواضيع التي يمكن أن تبرر مأساة بهذا الحجم. أوضاع الدول العربية الأخرى ليست جيدة لكنها تحاول إيجاد الحلول الداخلية المناسبة. في القارة الأفريقية مثلا هنالك صراعات مهمة لا تبدأ من ليبيا بل تتواصل إلى معظم الدول حيث مرضي الفساد والديكتاتورية يأكلان بل يتحكمان بالثروات الطبيعية وبالطموحات المستقبلية للشعوب. لم تستطع ليبيا بعد تثبيت الاستقرار ولابد من مساعدات جدية لم تأت بعد بالرغم من محاولات الأمم المتحدة. هنالك الصومال التي تشكل طريقا آمنا مزدهرا للقرصنة والتهريب وبالتالي تؤذي كل اقتصادات الدول المحيطة. هنالك عجز أو تواطؤ في القضاء على القرصنة بسبب مصالح مالية كبيرة تحمي المجرمين. مشاكل السودان الأمنية والغذائية ما زالت حية بالرغم من التقسيم، ربما بسبب وجود ثروات كبيرة معدنية وغذائية وبالتالي توافر مطامع دولية كبرى في سرقتها. تجد الدول الأفريقية صعوبة في تنفيذ حلول لمشاكلها بهدوء بما فيها دولة أفريقيا الجنوبية. الدول الأخرى وضعت حلولا لكن لا يمكن الاطمئنان إلى استمرارية التنفيذ، كما هو الحال مثلا في كينيا وبوتسوانا وأنغولا وغيرها. لا توجد آليات مقبولة ثابتة من قبل الفرق والأحزاب المتنازعة لفض الخلافات وتجنب الحروب. المنطق السائد في المنطقة العربية وأفريقيا هو غالب أو مغلوب ولا مجال لتنفيذ حلول وسطى مقبولة تخفف الخسائر. تحاول الأمم المتحدة جاهدة في مختلف النزاعات إيجاد حلول وتخفيف الخسائر، إلا أن غياب الإرادة من قبل المتنازعين والتدخل الخارجي يعقدان الوصول إلى نتيجة فاضلة أو يجعله مستحيلا.