مع استمرار بقاء أسعار النفط في مستويات منخفضة، ومع تزايد الضغط الاقتصادي والشعبي على الدول المصدرة للنفط لاتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف تدهور الأسعار وارجاعها لمستوياتها الطبيعية، يأتي الاجتماع غير الرسمي لوزراء البترول والطاقة من دول أوبك ومن خارجها في الجزائر للبحث في سبل تعزيز الأسعار. إن انخفاض أسعار النفط خلال العامين الماضيين أدى إلى صدمة مالية غير مسبوقة في الاقتصاديات النفطية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد اعتمادا كبيرا على القطاع النفطي، حيث الإيرادات النفطية فيها تمثل ما بين 85% إلى 93% من مجمل الإيرادات العامة. فقد شهدت العجوزات المالية والدين العام ارتفاعا مستمرا بشكل اضحى يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في هذه الدول. وأصبحت الخيارات المتاحة امام تلك الدول محدودة جدا حيث وجدت نفسها امام أسوأ الخيارات وهو استخدام الإحتياطي المالي وتبني سياسة مالية تقشفية. ان مهمة اوبك في هذا الاجتماع وفي كل اجتماع آخر ليست بالأمر المستحيل فهي لا تحتاج الا لإرادة قوية من كافة الدول الأعضاء بحيث تترجم هذه الإرادة إلى قرار بخفض الانتاج والالتزام بتنفيذه حالاً. مثل هذا القرار سوف يضغط على الأسعار نحو الارتفاع ويقلص الفائض النفطي الذي يتزايد بشكل مطرد في الاسواق العالمية. فلكل دولة حصة معينة من الانتاج والمطلوب هو الالتزام بتلك الحصص. ولكن الواقع شيء اخر تماما، فالدول الاعضاء متباينة في الرأي والأهداف ومختلفة في الاتجاه، بل بعضهم بدأ يتهم الآخر باتخاذ زيادة الانتاج وسيلة لإلحاق الضرر بالأعضاء الآخرين. العلاقات العدائية بين دول الاعضاء والشروط المسبقة أصبحت وللأسف سمة هذه المنظمة، وقد تحولت هذه العلاقة إلى سبب رئيسي لضعف منظمة اوبك وعدم قدرتها على وقف تدهور أسعار النفط. النفط مثل أية سلعة أخرى يعتمد سعرها على العرض والطلب فكلما ارتفعت الكمية المعروضة في الأسواق إنخفض السعر والعكس صحيح. المشكلة النفطية تكمن في أن حجم العرض النفطي يحدده في كثير من الأحيان القرار السياسي وليس حجم الطلب كما هو الحال في بقية السلع والخدمات. تنتج أوبك حوالي 43.4% من حجم الإنتاج العالمي البالغ 89 مليونا تقريبا، وهي نسبة كبيرة نسبيا وقادرة على تغيير اسعار النفط من خلال ضبط الانتاج او على اقل تقدير الالتزام بالحصة المحددة لكل دولة. إنه وبسبب غياب الارادة لدى بعض دول الاعضاء اصبحت المنظمة عاجزة عن القيام بمهماتها. فكل دولة من الاعضاء لديها أهداف مختلفة وسياسة متباينة. ومنذ يونيو 2014 وأوبك تحاول ان تصل إلى اتفاق حول ضبط عملية الإنتاج والتصدير، إلا أنها وفي كل مرة تفشل في إتخاذ قرار حاسم يحمي مصالح الدول الأعضاء من خلال رفع أسعار النفط. إنه ونتيجة للوضع الراهن في أوبك وغياب التنسيق اللازم أقدم منتجون كبار من خارج أوبك على ضخ النفط بأقصى ما يمكنهم، والأسوأ من ذلك هو انه وبفضل تدني سعر النفط قامت كثير من الدول والشركات النفطية العالمية بعملية تخزين النفط بكميات هائلة، مما يعني أن الكمية المعروضة في الأسواق العالمية أصبحت أكثر بكثير من الكمية المطلوبة وهذا يدعم بقاء الأسعار منخفضة حتى نفاد الكمية الفائضة. المشكلة الرئيسية التي تهدد مستقبل منظمة اوبك هو غياب الإرادة الفعلية والتنسيق بين الدول الاعضاء. فليس هناك التزام بالاتفاقيات المبرمة كما ان المصالح السياسية وليس الاقتصادية هي التي تلعب دورا كبيرا في حجم التعاون بين الدول الأعضاء.
