في مرحلة التحولات التي يعيشها العالم الآن دخلت وسائل الإعلام عصرا جديدا مع ظهور شبكة الإنترنت وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي وتمدد تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تغيير اقتصاديات صناعة الإعلام من حيث تقنياته وإنشاء المحتوى وتوزيعه واستهلاكه، ومفاهيم الجمهور والتفاعلية وحراس البوابة والسبق الصحفي، وغيرها من المفاهيم التي رسخت العمل الإعلامي خلال القرون الرَّاسخة الماضية. لقد اختلفت عمليات التأسيس والإنتاج والتَّسويق والتوزيع الإعلامي والتّواصل بين المنتج والجمهور وأدت إلى تحديات كثيرة تواجه هذه الصناعة، وأدخلتها في صميم الاقتصاد، وللحديث عن اقتصاديات الإعلام لابد من التوضيح أن هناك فرقا بين اقتصاديات الإعلام والإعلام الاقتصادي، فالأخير يتعلق بالمحتوى الاقتصادي الذي تقدمه وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، أما اقتصاديات الإعلام فتتعلق بصناعته، والحديث عنها يطول ولا يمكن حصرها في مقال أو اثنين، ولذلك سنكتفي هنا بتوضيح المرتكزات الأساسية لاقتصاديات الإعلام. التكلفة قبل الربحية: مما لا شك فيه أن أي صاحب مشروع إعلامي خاص لا حكومي ينظر ويهدف إلى الربحية، لكن عليه قبل هذا أن يحدد التكلفة، فالتكنولوجيا الحديثة تأتينا كل يوم بجديد، وعليه فإن الأجهزة التي تعمل بها المؤسسة اليوم قد لا تكون مناسبة لسرعة الإيقاع العام القادم، حيث تظهر علينا يوميا تطبيقات جديدة تحسن من الجودة البث المرئي والمسموع والمطبوع والالكتروني، وتجعل المعدات الموجودة قديمة، وفضلا عن تكلفة الأجهزة تأتي أجور الأقمار الصناعية التي يتم البث من خلالها، إذن من المهم دراسة المشروع جيدا وتكلفة المحتوى والرواتب والإيجار والتكاليف الأخرى، حتى تستطيع المؤسسات الإعلامية وكذلك المواقع على الانترنت البقاء في ظل هذا الحشد غير المسبوق من القنوات الفضائية الحكومية والخاصة في عصر أقل ما يوصف به أنه عصر الوفرة الإعلامية بعد أن كان العصر السابق هو عصر الندرة الإعلامية عندما كانت لا توجد إلا المؤسسات الحكومية، لقد أصبحنا نرى قنوات متخصصة في الطبخ ولها جمهور عريض خاصة من النساء وقنوات أخرى للسحر والشعوذة وتحظى بإقبال كبير. وتجدر الإشارة هنا إلى أن انتشار القنوات الفضائية بهذا الحجم يؤكد أن المشاريع الإعلامية رابحة وذات جدوى اقتصادية إيجابية. الربحية والاستدامة الإعلامية هي الضمانة الحقيقية للاستدامة الإعلامية، وكان مصدرها الأساسي الإعلان ولا يزال هو المصدر الأساسي للفضائيات التي حرصت على التواجد في المواسم التي يتعزز فيها الإنتاج الدرامي مثل شهر رمضان فالإعلانات التي تبث خلال المسلسلات في شهر رمضان كفيلة بأن تغطي تكاليف البث لمدة عام، ولكن فيما يتعلق الإعلام البديل أو كما يطلق عليه إعلام المواطن فالأمر شيء آخر، تغيرت أولويات المعلن، يفضل التوجه إلى جوجل والفيس بوك، فعن طريقهما يصل المعلن إلى جمهوره المستهدف بشكل أفضل، ولكي تواصل القنوات التي تبث عبر الانترنت فقط والمواقع المختلفة والمدونات فقد لجأت إلى طرق كثيرة لجذب المعلن منها ما يسمى بمقالات المصلحة، وهي مقالات تحريرية تكتب تمجيدا وترغيبا في الماركات المشهورة "البرندات" وهي مدفوعة الأجر، وتفيد تقارير إحصائية يأن 62 % من تمويل الإعلام الرقمي عبر الانترنت يأتي من خلال بث مواد إعلانية خلال عرض المادة الإعلامية، كما أن هناك نظام الاشتراكات وهذا تلجأ إليه المواقع التي تنشر محتوى علميا رصينا، وليكن في الطب والهندسة والعلوم، والكثير من طرق الإعلان التي ابتكرها رواد الأعمال من ذوي المشاريع الإعلامية. رصد اتجاهات الجمهور ولتحقيق الربحية والاستدامة الإعلامية يجب على جميع وسائل الإعلام الأخذ في الاعتبار دراسة اتجاهات الجمهور، وقد أصبح إعداد هذه الدراسات من السهولة بمكان عن ذي قبل، ففي السابق كانت المؤسسات الإعلامية التقليدية من خلال إدارات بحوث المشاهدين والمستمعين تضطر إلى النزول للشارع والتعرف على آراء الناس، أما اليوم يكفي رصد هذه الآراء من خلال التفاعل الجماهيري على المادة الإعلامي، والتفاعل كما هو معروف إما تعليقات إيجابية أو سلبية "مع أو ضد" وإما بوضع إشارات الإعجاب وغيرها من الرموز التي يطلق عليها "ايموجن". موضوع اقتصاديات الإعلام متشعب ومعقد ولكن هذه أساسيات يمكن البناء عليها خلال التوسع في الحديث عنها.