هنالك موجة كلام عالمية مرتفعة ضد النقد مرتكزة على دوره في تسهيل عمليات الفساد والارهاب والتهرب الضريبي والأسواق السوداء. هل النقد لعنة أم ضرورة؟ هل هنالك بديل عن النقد المعدني والورقي؟ هل المبررات لالغاء النقد أو تخفيف دوره كافية ومقنعة؟ هل يمكن الاستغناء عن فوائد النقد المسهل لعمليات التبادل التجاري؟ أسئلة كبرى يتم تداولها عالميا في وقت تنشط فيه كل الجهود لرفع الايرادات المالية للدول ولمحاربة الارهاب. ان استعمال النقد خف خاصة في الاقتصادات المتطورة، لكنه ما زال موجودا لأن الحاجة اليه ما زالت كبيرة. في الولايات المتحدة مثلا تبلغ قيمة النقد المتداول 1.4 ألف مليار دولار أو 4200$ لكل أميركي، 80% منه بأوراق الـ 100$. عشرة كيلوجرامات من أوراق الـ 100$ تشكل قيمة مليون دولار أي يسهل نقلها عبر أي حقيبة يد. يقول الاقتصادي "كينيث روغوف" في كتابه "لعنة النقد" أن وجود النقد يقف في وجه السياسة النقدية التي لا تستطيع تخفيض الفوائد أكثر لتحفيز النمو خوفا من أن ينتقل المستثمرون من شراء سندات الخزينة الى الاحتفاظ بكميات أكبر من النقد. وجود النقد خاصة الأوراق الكبيرة يقف في وجه السياسات الهادفة الى تسريع عمليات الانقاذ خاصة بعد أزمة "الركود الكبير". هنالك موجة عالمية ترغب في الابقاء على الأوراق الصغيرة أي ربما 10$ وما دون مما يمنع عمليا استعمال النقد لشراء السلع أو الخدمات المرتفعة السعر. يقول بعض الاقتصاديين كـ "سيلفيو غيسيلز" انه ربما تبقي المصارف المركزية على جميع الأوراق النقدية مع تحديد زمن استعمال للأوراق الكبيرة. هنالك فوائد كبيرة لاستعمال النقد أهمها السهولة والحفاظ على الحرمة الشخصية التي تلغيها بطاقات الائتمان أو الشيكات. كيف يمكن لمجتمع أن يوازي بين المرونة النقدية والسرية الشخصية من جهة، وضرورة محاربة العمليات غير الشرعية من جهة أخرى؟ يقدر حجم الاقتصاد غير الشرعي من الناتج المحلي الرسمي بـ 29% في تركيا، 25% في ألمانيا، 22% في ايطاليا، 20% في اسبانيا، 9% في اليابان، و7% في الولايات المتحدة. هذه أرقام كبيرة تحتاج اليها الدول للايرادات ولمكافحة كل النشاطات المضرة. هل الغاء النقد يلغي هذه النشاطات؟ هل من الممكن أن تتخلى دولة ما وحدها عن النقد أم هنالك ضرورة للتخلي عالميا عن هذه الوسيلة التي تبقى مهمة جدا في الدول النامية والناشئة؟ ما هي مساوئ الاقتصادات التي تستغني عن النقد أو أقله الأوراق الكبيرة؟ تعطي قوة وأهمية أكبر للمصارف المركزية والتجارية والمؤسسات المالية وهي التي لم تؤد دائما دورا ايجابيا لمصلحة الشعب. من كان مسؤولا عن الأزمات السابقة الكبيرة آخرها في 2008؟ يعاقب الاقتصاد الخالي من النقد الفقراء، اذ إن للأغنياء دائما طرقا متطورة للتهرب في الداخل أو الخارج. هل هدف التخلي عن النقد معاقبة الفقراء وسكان المناطق الريفية والنائية؟ النقد هو هوية الاقتصاد والدولة وهو الحرية بحد ذاتها.