تقارير جديدة وتوقعات صعبة لما بقي من العام 2023 باتت تتصدر عناوين الدراسات والأبحاث لكثير من بيوت الخبرة وشركات التحاليل المالية والاقتصادية، خاصة بعد تصريحات الفيدرالي الأمريكي الأخيرة والتي تركت الباب مفتوحا على مصرعيه أمام احتمالية استمرار رفع الفوائد أكثر من مرة ولفترات أطول مما كان مُتوقعا، فها هو رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي جيروم باول في الاجتماع السنوي الأخير لمحافظي البنوك المركزية في الولايات المتحدة يقول إن البنك سيواصل رفع أسعار الفائدة طالما "كان الأمر مناسباً لذلك" خاصة في ظل بقاء التضخم "مرتفعاً للغاية"، وذلك حتى الوصول لمستوى التضخم المُستهدف عند 2% عِلما بأن التضخم في الولايات المتحدة بلغ 3.2% خلال العام وذلك حتى شهر يوليو، بينما وصلت أسعار الفائدة الى مستويات 5.25% وهو المستوى الأعلى منذ 22 عاماً وهي التي أتت بعد 11 رفعا لأسعار الفائدة منذ مارس 2022 وحتى أغسطس 2023، هذه الأرقام وتلك التوقعات والتصريحات جعلت من وكالة بلومبيرغ وهي المُتخصصة بالدراسات والأبحاث الاقتصادية تتحدث عن عاصفة اقتصادية قادمة تتعلق بعدم قدرة الشركات حول العالم على سداد ديون بأكثر من 500 مليار دولار كما توقعت وكالة "موديز إنفستورز سيرفيس" أن يصل معدل التخلف عن السداد لشركات المضاربة في جميع أنحاء العالم إلى 5.1% العام المقبل، ارتفاعاً من 3.8% في الاثني عشر شهراً المنتهية في يونيو الماضي، عِلما انه وفي ظل السيناريو الأكثر تشاؤماً فقد أشارت التوقعات الى ان معدل التخلف عن السداد يمكن أن يقفز إلى 13.7% متجاوزاً المستوى الذي تم التوصل إليه خلال انهيار الائتمان 2008-2009، كما يمكن أن تؤدي حالات التخلف عن السداد المتزايدة إلى أول دورة واسعة النطاق من التخلف عن السداد منذ الأزمة المالية الكبرى، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هي علاقة الشركات بما يدور حاليا من مستويات للتضخم والركود ورفع أسعار الفائدة؟ وما هي أهم التحديات التي قد تواجه الشركات لما بقي من العام الحالي؟. أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة ان عمل الشركات يقوم على فكرة مهمة جدا وهي تحديد القُدرة الشرائية للزبائن والعملاء الحاليين والمُحتملين وهو الموضوع الذي يقوم على أساس أسعار المنتجات والقوة الشرائية للعملات والأموال، وهو ما يجعل من التضخم بشكل عام فزاعة كبيرة تواجه الشركات في جميع ارجاء العالم، فارتفاع الأسعار بشكل حاد ومُستمر يؤدي وبشكل أساسي الى انخفاض القدرة الشرائية وهو بدوره ينعكس على توقعات بالانخفاض في الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي فان التحدي الأول الذي يُواجِه الشركات يتمثل في مدى قُدرة هذه المؤسسات والشركات على المُحافظة على نفس حجم الاعمال بل وعلى نفس مستوى الإيرادات الخاصة بها وبالتحديد في ظل وجود نسب مرتفعة من التضخم وفي خِضّم موجة غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار والتكاليف الخاصة بشراء المُنتجات ذات الأولوية الشِرائية سواء كان ذلك للأفراد او للشركات، وهي جميعها الأمور والمُعطيات التي تجعل من عملية الشراء أكثر تعقيدا لكثير من الزبائن والعُملاء خاصة بالنسبة للسلع الاستهلاكية والمُستلزمات الشخصية. أما التحدي الثاني عبارة عن قدرة الشركات بالوفاء بالتزاماتها البنكية والمالية للأطراف الأخرى، فمن المعروف ان رفع أسعار الفائدة ينعكس بشكل مباشر على قيمة الفوائد التي سيتم دفعها وعلى تكلفة خدمة الديون المصرفية وهو ما يزيد من حِمل التدفقات النقدية على عاتق الشركات ويجعل من بعضها تقع بين مِطرقة القُدرة على السداد وسِندان التخلف الذي قد يؤدي الى محو سجل طويل ونظيف من الالتزام بالدفعات والمواعيد وهو ما قد يؤثر على التصنيف الائتماني لاحقا وعلى سير اعمال الشركة وتأمين احتياجاتها الحالية، كذلك فإنه من المهم الاخذ بعين الاعتبار بأن كل ما سبق من محافظة على حجم الاعمال ومن الوفاء بالالتزامات المالية يجب ان يتم ضمن ظروف صعبة يغلب عليها توقعات الركود والانكماش في كبرى اقتصاديات العالم وخاصة الاقتصاد الأمريكي وشركاته العالمية وهو الامر الذي يزيد المشهد العام تعقيدا وصعوبة. أما التحدي الأخير فهو يتمثل في ان ارتفاع تكلفة خدمة الديون ودفعاتها الشهرية قد يتسبب في جعل عملية السداد أكثر صعوبة وخاصة بالنسبة لبعض المُقترضين الذين يمرون بفترة من التعثُر او الانخفاض في الاعمال وهو ما قد يُجبِر بعض الشركات على عدم تسديد التزاماتها للموردين والدائنين والتي بحد ذاتِها سوف تظهر في حسابات الشركات على شكل مصاريف تحت مُسمى "المُخصصات" يتم خصمها من أرباح الخاصة بالعام الحالي وذلك وفقا للمعايير المُحاسبية المُتفق عليها. أما التحدي الأخير فهو انه وبعد ارتفاع أسعار الفائدة فقد أصبحت عملية الاقتراض نفسها أكثر تكلفة وهو ما يجعل مُعظم الشركات تلغي خِطط التوسع والنمو التي كانت ضمن خِططها الحالية لتتفرغ الى تأمين احتياجاتها المُباشرة وهو ما قد يفتح الباب امام منافسين جُدُد للدخول والمنافسة في هذه الأسواق. واخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإنه وبالرغم من أهمية رفع الفوائد لمكافحة التضخم والقضاء عليه الا ان العمل على رفع معدلات النمو بعد هذا الرفع السريع والحاد في أسعار الفائدة قد يكون أكثر أمانا وفعالية للشركات والبنوك على حدِّ سواء ولنا فيما واجهته البنوك والشركات الامريكية والأوروبية في الفترات الأخيرة خير دليل على ذلك، وهنا أستذكر "المثل المصري الشهير" الذي يقول " السلف تلف والرد خسارة " وهو الذي يُعد من الأمثال الشعبية الشائعة التي تُحذر من إقراض واقتراض المال لأنه وعلى حسب رأي قائله فإنه لن تكون النتيجة من خلف الاقتراض إلا الخسارة والتلف.