الدين العام بين القلق الشعبي والجهد الحكومي لتحقيق التنويع

الملف الاقتصادي، بتجلياته وأنشطته وآثاره وقطاعاته وارتباطاته، تحول إلى مجال خصب للنقاش والجدل في الفضاء الالكتروني، ولم تعد التحليلات والقراءات والتوقعات ذات الشأن الاقتصادي محصورة بالخبراء والباحثين والمسؤولين المتخصصين في مجاله - أي الاقتصاد - فكل مواطن لديه موقع وحساب وعضو في مواقع التواصل تحول إلى صاحب رأي وقضية يدلي بدلوه، لارتباطه الوثيق بحياته، بمستوى المعيشة والدخول وتوفر الوظائف والترقيات وانتعاش السوق أو ضعفه وبيئة الأعمال وسياسات الضرائب والرسوم وأسعار السلع في السوق ... الخ، وهي جميعها تضررت بمستويات متباينة منذ نهايات 2015، العام الذي بدأت فيه بوادر التراجع والانهيار في أسعار النفط في الأسواق العالمية وحتى اليوم، ضاعفت من حالات القلق والخوف المجتمعي، وأثرت على حياة المواطن، وهو ما ألقينا عليه الضوء في مقالات متعددة نشرتها (لوسيل)، خلال الأشهر والأعوام السابقة.  ويأتي ارتفاع حجم الدين وتزايد مستوياته بشكل متصاعد ليلقي عبئا آخر يواجه الاقتصاد المحلي وما يعانيه من مشكلات ويضاعف من مستوى القلق لدى المجتمع. ويربط العديد من المحللين ارتفاع الدين بـ أولا: تراجعات وتذبذبات أسعار النفط في الأسواق العالمية الذي تعتمد عليه معظم موارد الدولة، ثانيا: الزيادة المتواصلة لحجم الانفاق الحكومي الذي بلغ (12,9) مليار ريال عماني في موازنة ٢٠١٩م، بزيادة بلغت (3%) مقارنة بموازنة 2018م، وبالأخص تضخم الرواتب وارتفاعها بشكل كبير بعد قرار توحيدها في ديسمبر 2013م. ثالثا: ما رافق سياسات تنويع مصادر الدخل من تحديات وعدم قدرة القطاعات الاقتصادية الأخرى على رفع مساهمتها في الناتج المحلي. ويعرف الدين الحكومي بأنه (الدين المستحق على الخزانة العامة للدولة)، وتلجأ الحكومات إلى الاستعانة بالدين لمواجهة نقص (الايرادات العامة عن مواجهة النفقات العامة)، والمسمى بعجز الموازنة.  اللجنة الاقتصادية في مجلس الدولة قدمت مقترحا إلى المجلس لإعداد مشروع حول (قانون الدين العام)، بغرض السيطرة عليه وبقاء (إدارته وحدوده في المستويات الآمنة لضمان سلامة ومتانة الاقتصاد الوطني)، وقد ألقى المكرم الشيخ محمد الحارثي رئيس اللجنة بيانا أمام المجلس تحدث فيه عن الدَّين العام الذي سجل (صعودًا مستمرًا في السنوات الأخيرة، من 1.48 مليار ريال عماني إلى 3.44 مليار في سنة 2015، وارتفع إلى 7.99 مليار ريال عماني سنة 2016 ثم وصل إلى 13.4 مليار ريال عماني في سنة 2018، ليصل إلى 15.8 مليار ريال عماني هذا العام 2019م، مرتفعا من 2013 إلى 2019 بنحو 1480 %، وهي نسبة ارتفاع هائلة، بلغت حوالي 51 % من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة في عام 2019م).  القلق المجتمعي من ارتفاع نسبة الدين العام تنميه أسباب متعددة من بينها، أولا: الخوف من اعتياد الحكومة العلاج السهل في تمويل الخطط والموازنات المالية بالاستمرار في الاستعانة بالاقتراض من المؤسسات المصرفية العالمية، على حساب جهود وخطط وبرامج التنويع والإصلاح الاقتصادي. ثانيا: أن تواصل الجهات المختصة معالجة ضعف الموارد وتزايد نسبة الدين وارتفاع الفوائد عليها من خلال فرض المزيد من الرسوم والضرائب. ثالثا: الأضرار التي ستعود على مستقبل الاقتصاد الوطني من تراكم وارتفاع الدين العام وفي مقدمتها تدخل صندوق النقد الدولي وفرض توصياته وسياساته على صناع القرار في السلطنة وما سوف يترتب على ذلك من آثار خطيرة وأضرار كبيرة على رخاء وازدهار حياة المجتمع.