عبوات صغيرة

عقب الأزمة المالية العالمية في 2008 بدأت الشركات المتعددة الجنسيات البحث عن مستهلكين جدد، بعيدا عن المشترين الذين ألقت الأزمة بظلالها عليهم.. مختصو التسويق في تلك الشركات توصلوا إلى مفهوم جديد في التسويق عبر (البيع للفقراء) بمنتجات تعبأ وتسوق في عبوات صغيرة وخدمات وتقنيات تتناسب مع دخولهم اليومية المتقلبة.. تلك الشركات تقدم العولمة في إطار جديد وجذاب يشبع رغبات الفقراء، مهما كانت مصادر وحجم دخولهم المالية. قدرة الفقراء للحصول على المنتجات التقنية ضئيلة، فهواتف آبل ماكنتوش وبعض التطبيقات من بعض الشركات تعتبر بعيدة المنال بالنسبة لهم.. لذا، قدمت بعض الشركات العالمية حلولا للوصول إلى السوق الواعد في الدول النامية، فأسواق العالم النامي تضج بمليارات السكان الراغبين في الحصول على منتجات العولمة فهم إن لم تمنحهم العولمة حرية الحركة إلى الدول المتقدمة فإن العولمة تخطت الحدود ووصلت إليهم في عقر دورهم. أصبح الفقراء في العالم الثالث والنامي يحصلون على أجهزة التابلت رخيصة الثمن وعليها تطبيقات مجانية من مطوري تلك الشركات فالربح هنا يتحقق من الكميات المباعة. وأيضًا تلقفت بعض الشركات طريقة البنوك في الشمول المالي، فبدأت في التوجه للفقراء بتسويق المنتجات الاستهلاكية عبر الأقساط الشهرية التي تناسب العمال وصغار الموظفين، وينتشر باعة الشركات بالتقسيط طويل الأجل في القرى والمناطق الحضرية المتاخمة للعواصم والمدن الكبيرة وهم يستهدفون الشرائح الفقيرة الباحثة عن مزايا حضرية من قبيل الهواتف النقالة الذكية وشاشات التلفزيون المسطحة وحتى أجهزة الالتقاط الفضائي. الشركات العالمية المتعددة الجنسيات بعد أن تشبعت أسواقها في دولها الأصيلة، بدأت انتشارا جديدا عن طريق وسائل تسويق جديدة، ولم يكن أمامها بد من التوجه نحو الأسواق الناشئة في دول العالم النامي. استخدمت تلك الشركات نفس وسيلتها القديمة في التسويق لكن بطريقة معكوسة، فبدلا من تقديم خصومات للكميات الكبيرة المشتراة من قبل مستهلكين مترفين لديهم الرغبة في الحصول على خصومات في الأسعار لشراء وتخزين منتجات كبيرة الحجم، فإن تلك الشركات تقدم للفقراء في الدول الناشئة منتجات في عبوات صغيرة دون خصومات سعرية.. ولأن الفقراء ليست لديهم مدخرات لشراء كميات كبيرة فإنهم يضطرون إلى عمليات الشراء بطريقة يومية وقد تتعدد في اليوم الواحد. ويمكن ملاحظة ورصد شركات عالمية باتت تسوق منتجات مرغوبة في الولايات المتحدة وأوروبا في أسواق الدول النامية في عبوات صغيرة مقدمة منتجاتها الاستهلاكية ومستحضرات التجميل ذات الماركات العالمية.. مما دفع الشركات المحلية إلى تقليد تلك الشركات الغربية عبر تقديم منتجات وعبوات صغيرة، لكنها تختلف عن الماركات العالمية بأنها شعبية وليست ذات حماية فكرية أو تجارية. العبوات الصغيرة من المنتجات الشعبية التي تضاهي العالمية تتوفر الآن في أسواق الفقراء بذات الألوان والأشكال والطعم والرائحة للمنتجات العالمية إلا أنها تحمل أسماء وطنية وموجهة إلى الفقراء والأشد فقرا.