في معظم القطاعات والمهن حتى في الدول المتقدمة لا يعاقب المقصرون، فتعطى توصيات بمتابعة الدرس وبالتالي لا تكون هنالك دروس كافية وعادلة. في لبنان مثلا أكثرية المؤشرات الاقتصادية غير مرضية. بالرغم من وجود أسباب تخفيفية كالنزوح السوري والوجود الفلسطيني والتعديات الخارجية، الا أن المشكلة الأساسية تنبع من الداخل. هذا ما يظهر جليا اليوم مع مناقشة الموازنة. حتى الاكتشافات العلمية نختلف عليها في لبنان ومستعدون أن نضحي بالكهرباء ولا نلجأ الى العلم لحل المشكلة. هنالك ثقافة خلاف تمتد في الداخل الى كل القطاعات بما فيها المياه والاتصالات والبنى التحتية. ليس من السهل انهاء الخلافات بوجود مصالح متناقضة وغياب الحساب والعقاب. هنالك مشكلة معرفة لا تقتصر فقط على المحتوى وانما تتعداها الى المنهجية والوسائل. نريد دائما رابح وخاسر علما ان العلم يربح الجميع وهو ليس وجهة نظر وانما حقيقة. هنالك خلاف على الأرقام والاحصائيات، مثلا تكلم رئيس الجمهورية عن نسبة بطالة تبلغ 46% بينما رقم وزارة العمل هو 25%. الرقمان مرتفعان لكن الفارق يبقى كبيرا وسببه اننا نقيم شيئين مختلفين. الرقم الأعلى يأخذ بالاعتبار من يعمل في الخارج وبالتالي خرج من جيش العاطلين عن العمل. أما الرقم الأدنى فيأخذ في الاعتبار فقط من يبحث عن عمل في الداخل وهو الأدق. لماذا لا تؤمن الدولة الخدمات البديهية للمواطن؟ ليست هنالك مشكلة معرفة متخصصة، انما هنالك مشكلة عدم قبول بالمعرفة والعلم وهي مشكلة ثقافية مقلقة. في قطاعات كالضمان الاجتماعي والصحي والتربية والتعليم نتأخر عن قطار التطور ونترك المسنين والمتقاعدين يعانون ويقلقون. لا تكمن المشكلة فقط في نوعية العناية والحلول وانما خاصة في تكلفتها وكيفية التمويل بين الخزينة والمواطن والشركة. في الاسكان، لا يمكن وضع الحلول قبل ايجاد التمويل الميسر. هنالك تقصير في الاداء في القطاعين العام والخاص. في القطاع العام، يتجاهل المسؤولون علنا حقوق المواطن الذي يقبل أسفا هذا التجاهل. هنالك مشكلة حقوق ليس فقط بالنسبة للمرأة والطفل وانما للرجل أيضا. من ليس له علاقات في الدولة، تتراجع حقوقه. هنالك الفساد الكبير الذي لا يقتصر على الرشوة، وانما على عدم احترام القوانين بدءا من التواجد في المكتب في أوقات العمل الى تنفيذ أولويات المواطن. في القطاع الخاص وان يكن الاداء أفضل من العام، تبقى حقوق المستهلك ضائعة وضعيفة وبالتالي ان لم يكن المواطن ميسورا ضاعت حقوقه وربما لا يرد عليه. باختصار نحتاج في لبنان الى نفضة ثقافية حقوقية سياسية أخلاقية تؤثر مع الوقت ايجابا على العلاقات الاجتماعية والمؤشرات الاقتصادية. تكمن المشكلة اليوم ليس فقط في بطء التقدم وانما في احساسنا بالتراجع نتيجة عوامل كبيرة وقوية لابد من مقاومتها بسرعة اذا أردنا عكس المسيرة. المطلوب في لبنان اليوم التوجه بقوة نحو الحلول الفضلى بحيث يتأثر المواطنون ايجابا بما يحصل فيعدلون خططهم المستقبلية في مكان الاستثمار والعيش.