يتفق الكثير من الخبراء والمتخصصين في مجال الطاقة على أن قطاع النفط الصخري الأمريكي يُعد من أكثر القطاعات النفطية التي تأثرت بانخفاض الأسعار، وذلك بالنظر لتكلفته المرتفعة مقارنة بتكلفة الإنتاج في جميع مناطق العالم الأخرى وخاصة في منطقة الخليج العربي ودول مجلس التعاون، ويتفق هؤلاء الخبراء كذلك على أن قطاع النفط الأمريكي قد شهد أوقاتاً عصيبة في الفترة السابقة.... وعلى الرغم من تحسن أسعار النفط على مستوى العالم مؤخراً، فإنني أرى أن قطاع النفط الصخري الأمريكي لن يكون قادراً على الاستفادة سريعاً من هذا التحسن. أزمة قطاع النفط الأمريكي هذا وقد أظهرت بيانات وأرقام إدارة معلومات الطاقة التابعة للحكومة الأمريكية مدى الأزمة التي يعيشها قطاع النفط الصخري الأمريكي الذي انخفض إنتاجه هذا العام بأكثر من نصف مليون برميل يومياً ليبلغ في شهر ديسمبر الماضي 9,3 مليون برميل يومياً، مع توقع هذه الإدارة وفقاً لأحدث تقاريرها الصادرة في أوائل هذا الشهر بانخفاض إنتاج النفط الأمريكي إلى ثمانية ملايين برميل يومياً في أواخر العام المقبل، مما دعا وزير النفط السعودي علي النعيمي لتقديم النصح لمنتجي النفط الأمريكي بضرورة العمل على سرعة خفض تكلفة الإنتاج أو زيادة الاقتراض لتغطية نفقاتهم المرتفعة أو الاضطرار إلى تصفية أعمالهم والخروج من السوق. انفراجة النفط الأمريكي ليست سريعة وفي ظل هذه المؤشرات التي تبدو صعبة على منتجي النفط الصخري الأمريكي، فإن مجرد الانتعاش النسبي لأسعار النفط لتدور حول 40 دولارا للبرميل بعد بلوغها 26,21 دولار في أوائل شهر فبراير الماضي لم ولن تؤدي - من وجهة نظري- إلى انفراجة سريعة لهذا القطاع، في ظل زيادة مخزون البلاد من الخام.... وإن كان بعض الخبراء والمحللين وفي مقدمتهم خبراء شركة «ريستاد إنيرجي» المتخصصة في دراسات الطاقة الذين يرون إمكانية تحقيق منتجي النفط الصخري الأمريكي لبعض المكاسب المحدودة في حال استقرار الأسعار بين 40 و45 دولارا للبرميل، وحجتهم في ذلك تتمثل في ذلك الانخفاض الحاد في تكلفة الآلات وحفر الآبار. استعادة الشركات للعمال المسرّحين كما يرى هؤلاء الخبراء أن هذا السعر المرتفع نسبياً للنفط سوف يُمكن هؤلاء المنتجين من استعادة العمال الذين سبق لهم تسريحهم في وقت اشتداد الأزمة، بالنظر لصعوبة حصول هؤلاء العمال على وظائف بديلة برواتب مجزية في أماكن أخرى، وعلى اعتبار سهولة زيادة الإنتاج النفطي "من الناحية النظرية" مع إمكانية حفض النفقات والتكاليف وخاصة في الحقول والآبار المحفورة بالفعل وغير المكتملة في مناطق عديدة من البلاد كمناطق برميان وإيجل وفورد بولاية تكساس وحقل باكن بولاية داكوتا الشمالية. * ارتفاع تكلفة الأعباء التمويلية وهو الأمر الذي أكدته أحدث التقارير الصادرة عن صناديق الاستثمار المباشر التي تركز جل أعمالها في مجال الطاقة موضحة أنه لا أحد في هذا المجال يدخر فوائض مالية أو رأسمالا إضافيا، بعد اقتراض هذا القطاع بكثافة في فترات سابقة بهدف توسعة النشاط، وبعد فشل هذا القطاع مؤخراً في توفير الأموال اللازمة لتغطية الاستثمارات المطلوبة لاكتشاف وحفر آبار جديدة بعد ارتفاع أعباء عمليات التمويل من البنوك وأسواق الدين، مما اضطر منتجي النفط الصخري الأمريكي لخفض نفقاتهم الرأسمالية، وإن كنت أراها لم تنخفض حتى الآن بما يكفي لتحقيق التوازن المنشود. 26 شركة نفط تُعلن إفلاسها وإذا كانت الشركات النفطية الأمريكية الكبرى تستطيع تغطية خسائرها من خلال زيادة رأسمالها بأسواق الأسهم والبورصات المحلية والعالمية، فإن الشركات الصغيرة والضعيفة لا تستطيع فعل ذلك لصعوبة حصولها على القروض الميسرة بالإضافة إلى انخفاض قيمة أسهمها كثيراً بالبورصة خلال العامين الماضيين، وإلى أن حصيلة الزيادة في رؤوس أموالها سوف تذهب مباشرة إلى الدائنين وليس لصالح العمليات الإنتاجية، وفي ظل إفلاس 26 شركة نفط أمريكية خلال العام الماضي مع توقعات بارتفاعها بحلول نهاية عام 2017 إلى 73 شركة وفقاً لشركة «كريديت» الأمريكية لأبحاث الدين. تخوفات أمريكية هذا ويتخوف الكثير من خبراء النفط الأمريكيين من أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط الصخري ببلادهم إلى إغراء عدد من المنتجين إلى إنتاج المزيد من النفط بالإضافة إلى زيادة المخزون منه بكميات ضخمة مما يزيد كثيراً من كمية النفط المعروضة على حجم الطلب العالمي، مما يؤدي من جديد إلى خفض أسعار النفط عالمياً وما يترتب على ذلك من إغلاق للحقول القديمة والآبار غير المجدية اقتصادياً، وسوف يشجع كذلك على إنفاق المزيد من الأموال على البحوث التي تهدف إلى خفض تكلفة الطاقات المتجددة ومن ثم زيادة الاستثمارات بها والتحول عن الطاقات التقليدية من نفط وغاز، وإن كنت أشك في تحقيق هذا الأمر قبل حلول عام 2040.