استمرارية بوتين

تدوم الديكتاتوريات أو السلطات القوية ليس فقط عبر القوة وانما أيضا عبر ممارستها لادارة ذكية تسبب اضعاف المعارضة سلميا وشعبيا. تستعمل السلطات القوية الخدمات الاعلامية والاعلانية لتخفيف استياء الشعوب أو غضبها وبالتالي تعمر تماما كما يحصل مع حكم بوتين. تؤثر الديكتاتوريات بذكاء بوسائلها المتنوعة على شعور المواطن ومشاعره وعواطفه وتجذبه اليها مما يسهل استمرارها. الاستمرار عبر الاقناع أقل تكلفة وأفعل من الاستمرار عبر القوة. تشير الحقائق التاريخية الى أن العواطف والمشاعر تكون أحيانا أقوى من الحقيقة والوقائع والمصالح. يخطئ من يعتقد أن الحكم الحالي في روسيا يأتي من فوق الى الأسفل فقط، بل هنالك تأثير كبير في الاتجاهين. يحاول الحكم دائما بطريقة أو أخرى أخذ تمنيات الشعب وادخالها في صلب قراراته. هل روسيا دولة ديموقراطية؟ الحكم الديموقراطي هو الذي يتميز بالشروط الأربعة مجتمعة أي انتخابات حرة وعادلة، الحفاظ على حقوق الأقليات الدينية والعرقية، احترام حرية الصحافة ووجود دولة القانون. هنالك دول قليلة في العالم تحترم الشروط الأربعة مجتمعة، وبالتالي لا يمكن أن نلوم الحكم الروسي وحده. روسيا اليوم هي أكثر ديموقراطية من النظام الشيوعي وحكم الحزب الواحد الذي استمر منذ 1917 وحتى بداية التسعينات لكنه لم ينضج بعد. يستعمل بوتين بذكاء تقنيات علم النفس بحيث يشعر الروس أنهم أصحاب القرار والرئيس وحكومته ينفذون الرغبات الشعبية. يصغى بوتين كثيرا الى استفتاءات الرأي والاحصائيات قبل أن يأخذ قراراته. بوتين مقتنع أن الحكم بالقوة خطر ومكلف ولا يعطي النتيجة الشعبية التي يريدها له ولدولته. لا يمكن لحكم تسلطي أن يستمر الا اذا غض الشعب النظر عنه أو قبله. موظف الاستخبارات العادي أصبح رئيسا غير عادي في دولة مهمة تسعى للعب دور كبير على الساحة الدولية. هنالك حاجة لقوة تنافس أميركا في السياسة ويظهر أن الصين ليست جاهزة أو لا ترغب بعد في لعب هذا الدور. صراع ترامب التجاري مع الصين يعجل بلعبها الدور الدولي وليس العكس. في كل حال من يبقى للمنافسة؟ روسيا وبوتين اذ يكملان بعضهما البعض. هل يمكن وصف حكم بوتين بالقوي؟ يقول الكاتبان «غرين» و«روبرتسون» في كتابهما عن الرئيس الروسي أن حكمه هش. قوة حكمه مستمدة من الشعب وبالتالي يخضع للمزاج الشعبي المتغير. يرتكز حكم بوتين على موجة شعبية عالمية ترغب في وجود رؤساء «أقوياء» كـ «أوربان» في هنغاريا و«اردوغان» في تركيا وغيرهما. تمتد هذه الموجة الى روسيا مما يفسر وجود عوامل عديدة تمد عمر وتقوي سلطة بوتين. هل يمكن استبدال بوتين بسهولة عبر الانتخابات؟ تشير الوقائع الى صعوبة ذلك لأنه ليس هنالك بين السياسيين الموالين والمعارضين من يتمتع بالجاذبية والتأييد والذكاء الذي يظهر من بوتين. تحتاج روسيا الى وجوه جديدة لا تنتجها ربما العملية الانتخابية والسياسية الحالية. لا تفتقد روسيا الى شخصيات كفؤة وبارعة لكنها يجب أن تظهر وهذا صعب اليوم لكنه ممكن مستقبلا.