مشكلة سعر الدولار

صحيح أن نمو الاقتصاد الأمريكي يوجد حالة من التفاؤل في الاقتصادات العالمية نتيجة لقوة الطلب على الصادرات المرافقة له، لكن الصحيح أيضا أن هذا النمو ربما يكون سلاحا ذا حدين بالنسبة للاقتصادات الصاعدة وبالذات التي تعتمد على تصدير السلع الأولية؛ حيث يلعب سعر صرف الدولار دورا مهما في اتجاهات النمو لتلك الاقتصادات. فارتفاع سعر صرف الدولار يؤدي إلى تخفيض أسعار السلع الأولية التي تميل في العادة إلى الهبوط كلما ارتفع سعر الدولار كالنفط مثلا، مما يؤدي لتراجع دخل الدول المصدرة، لينتج عنه عجز في موازناتها، ولجوء بعضها إلى الاستدانة للوفاء بالتزاماتها تلافيا للأسوأ مع انخفاض معدلات نموها الاقتصادي المصاحبة لكل هذه النتائج.  والسؤال لماذا يؤثر ارتفاع الدولار على الاقتصادات الصاعدة؟ لانخفاض قيم عملات الدول المصدرة للسلع حتى مع ارتفاع الطلب على صادراتها خصوصا التي لا يوجد ارتباط لعملتها بالدولار، ولأن زيادة الصادرات ومثال ذلك النفط مرتبطة بجملة محددات منها حجم المعروض المناسب للطلب، واتفاقيات توزيع حصص الإنتاج التي تفرض قيودا على حجم الصادرات بل وتخفضها أيضا، مما يؤدي لتباطؤ نمو الطلب الكلي، وبالتالي تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. أيضا يؤدي ارتفاع سعر صرف الدولار إلى رفع معدلات الفائدة المصاحبة لتحسن النمو في الاقتصاد الأمريكي -رفع الاحتياطي الفيدرالي الفائدة إلى 0.75 % بزيادتها ربع نقطة مئوية في منتصف ديسمبر 2016- مما يؤدي إلى تحول رؤوس الأموال إلى السوق الأمريكية الأمر الذي يؤثر على الاقتصادات التي تعاني من ضعف مرونة سعر صرف عملتها، أو تعتمد على تصدير صافي السلع الأولية، أو تستقطب رأس المال للاستثمار، أو تستورد مدخلات الإنتاج المحلي، خصوصا وأن تسعير معظم الواردات يكون بالدولار.  يضاف إلى ذلك زيادة تكاليف الاقتراض مع ارتفاع أسعار الفائدة نفسها، مما يرفع الكلف على الحكومات التي تلجأ للاستدانة من الأسواق الدولية بالدولار الأمريكي، وهو ما يؤدي إلى أزمات ديون سيادية، ناهيك عن ارتفاع ديون القطاع الخاص والشركات التي تتحمل مزيدا من الديون نحو 100 مليار دولار مستحقة على مقترضين من القطاع الخاص- لتمويل استثماراتها. كما أن الدول التي تثبِّت سعر صرف عملاتها تجاه الدولار تكون مضطرة عن غير رغبة لمجاراة رفع أسعار الفائدة الأمريكية؛ برفع سعر الفائدة على عملاتها المحلية، للمحافظة على هامش بين سِعرَي الفائدة لصالح عملتها لمنع الدولرة، مما يؤدي لارتفاع الفائدة على التمويل المصرفي المحلي، وبالتالي زيادة الكلف على القطاع الخاص والمستثمرين والأفراد. هذا يعني أن السياسة الاقتصادية الأمريكية بشكلها الكلي سواء كان الدولار قويا أو ضعيفا، لا تأخذ الاقتصادات النامية أوالصاعدة بالحسبان، فالهدف تحسين نتائجها الاقتصادية بغض النظر عما إذا كانت تؤثر على هذا الاقتصاد أو ذاك، حيث يلعب الدولار دور اللص سواء كان ضعيفا يخدم أداء الاقتصادات الصاعدة، أو قويا يضعف الطلب الكلي في الأسواق الصاعدة.  وهو ما يفسر إلى حد بعيد أسباب عجز السياسات النقدية في الدول الصاعدة أو النامية عن تحقيق أهدافها رغم اتباعها كل القواعد الصحيحة، فالمشكلة بسعر الدولار الذي يلعب دورا في إفسادها، أو تقليل فعاليتها، أوحتى إنجاحها عن غير قصد.