الله أكبر الله أكبر لا الله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، تكبيرات لها وقع السحر على قلوبنا، تطرب بها الآذان وتخشع لها القلوب، هي كلمات من القلب يسمعها ويرددها الكثيرون، وخاصة في هذه الأيام المعدودة المباركة، شهر قمري خاص وليال عشر مُختارة، تبدأ يوميا بساعات هادئة من الغسق يرفع فيها الداعي يديه إلى السماء ليُودِع قلبه على سجيّته وفِطرته ويقف شامخا بسلام داخلي لينتظر من الله كل ما هو أجمل دائما، إنه الإيمان التام والثقة العمياء في خالقنا ومُوجِدنا، لمن يقول للكون كن فيكون، هو مُوسم روحاني بامتياز، يحمل في لياليه العشر نفحات من المغفرة والرحمة يحملها فوق جناحين أحدهما يُحرِّكُه تكليف شرعِي بالحج ومناسِكه والآخر يرفرف في فضاءات من أعمال الخير والصدقات، جناحين قريبين غير مُتطابقين، توصِل بينهما عديد من الأضاحي ينفِقُها من يبحث عن العطاء، ليُشارك بها أهل بيته واخوانه وأصحابه وأقاربه وغيرهم من الزاهدين المتعففين، فهي تتعدى كونها فكرة تشاركية شاملة لتتحول إلى نظام اقتصادي تكافلي يقوم على فكرة العطاء ليرسِمها كمنفعة متبادلة، يشارك فيها الغني جزءا من حاجات الفقير الدنيوية ليُرسل عبرها العباد والناس ثمن ما حصلوا عليه عبر هدايا روحية مُريحة في الدنيا، حاسمة في الآخرة على ان تكون لكل صاحب عطاء حقيقي، نعم يا سادة انه الحج بموسمه الخاص ذو العبق التاريخي الروحاني، نعم انه تلك الشعائر التي تفتح القلوب والعقول، انه تلك الزيارات غير العابرة لبيت الله الحرام في شهره الحرم، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هو الحج؟ وما هي أبرز معالمه وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية؟ وما هو الهدف منها؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة ان الحج في اللغة العربية هو القصد او المقصد أما من الناحية الشرعية الإسلامية فهو موضوع أساسي وتكليف شرعي مهم يُمكننا تعريفه بداية بأنه الركن الخامس من أركان الدين الإسلامي الحنيف، وهو أيضا أحد أهم الفروض التي فرضها الله عز وجل على المسلمين القادرين على القيام به وذلك بوصفه تعالى "من استطاع إليه سبيلا " للتعبير عن كل من يجِب عليه الحج بأنه وهو ما يُعطينا المعنى بانه فرض على كل شخص مسلم تتحقق عليه شروط التكليف على ان يكون أيضا وبنفس الوقت مُسلِما قادرا على ان يتحمل تكاليفه ومشاقه من الناحية المادية، البدنية وحتى الاجتماعية، وبالتالي وبعد هذه المقدمة السريعة فإنه يُمكِننا القول وبشكل بسيط بأن الحج هو أن يقصد الشخص بيت الله الحرام من أجل إتمام الفرض والقيام بعدد من المناسك المُعينة التي لا تحدث إلا خلال فترة الحج المُحدّدة والتي تكون في كل عام خلال العشر الأولى من شهر ذي الحجة وهو الشهر الثاني عشر من السنة القمرية أو التقويم الهجري، والشهر الثاني من الأشهر الحرم، وقد سُمّي بهذا الاسم نحو عام 412 ميلاديا، وهنا يجب الإشارة الى ان موسم الحج لا يقتصر فقط على الأمور التعبُديِّة أو النواحي الشرعية، بل هو أيضا موسم مهم للتجارة والاعمال فهو مناسبة هامة يحدث بها انتعاش في جميع القطاعات الاقتصادية، خاصة في منطقة "مكة المكرمة" و "المدينة المُنوّرة"، حيث تكون فترة الحج مناسبة لتبادل المنافع بين أهل وتجار المحليين وحجاج بيت الله الحرام، ففي العقود الماضية وما قبل مثلا كان الوافدون إلى مكة المكرمة لحج بيت الله الحرام أو أداء العمرة وخاصة من آسيا الوسطى وتركيا وحتى أفريقيا يحملون معهم تجارتهم من سجاد وعسل وغيرها لبيعها في مكة أو في الطريق إليها، حتى انه اصبحت لهم في بعض المناطق أسواق خاصة بهم يرتادها الناس والتُجار للتبادل التجاري معهم، وعلى الرغم من صعوبة تطبيق إحصاءات دقيقة لما ينفقه الحجاج سنويا، الا اننا جميعا نتفق على أنها مبالغ تفوق مليارات الدولارات، فموسم الحج وبلا مُنازع هو الشهر صاحب أعلى مدخول لتجار مكة ثم يليه موسم رمضان، وحسب دراسات للهيئة العامة للإحصاء فان عدد المعتمرين في عام 2017 وصل إلى 19 مليون مُعتمر، في حين بلغ عدد الحجاج مليونين و600 ألف حاج من الداخل والخارج، أما بالانتقال الى إيرادات موسم الحج في 2017 فقد قدرتها الغرفة التجارية والصناعية بمكة المكرمة بين 20 و26 مليار ريال في ذلك العام وسط توقعات بأن تتجاوز هذه الإيرادات 50 مليار دولار سنوياً مع تحقيق أهداف رؤية المملكة للعام 2030 التي تطمح باستضافة ثلاثين مليون حاج ومعتمر، هذا وقد أظهرت إحدى الدراسات المالية التي تم نشرها في المملكة سابقا أن 40 % من إنفاق الحجاج يُخصّص للسكن، يليه النقل والمواصلات الذي يمثل 31%، ثم الهدايا التي يُمثل الإنفاق عليها نحو 14%، ليتبعه الإنفاق على الغذاء بنحو 10%، في حين تذهب الـ 5 %الباقية إلى أوجه الإنفاق المختلفة. وأخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن الحج هو فرض مهم على المستوى الروحي والإنساني وهو أيضا أحد اهم روافد الاقتصاد السعودي القوي، وأيضا هو من أهم المواسم التجارية التي يستفيد منها كل تُجّار العالم، فمجرد وجود أكثر من ثلاثين مليون شخص يزورون نفس المكان على مدار السنة يخلق الكثير من الفرص الاستثمارية والتجارية، فما بالك إذا كان مِنهم ثلاثة ملايين شخص يجتمعون في ذات المكان في نفس الوقت، وهنا أستذكر مقولة "جدتي الحبيبة" حين تقول "جوهر الحج الأساسي هو في العلاقة بين المخلوقات والخالق وليس فقط بتلك الحقيبة المليئة بالهدايا".