"الذهب التنافس على أكثر معادن العالم إغراء" - الجزء الثالث

زار "ماثيوهارت" مناجم الذهب في عدد من بلدان العالم مثل جنوب أفريقيا والصين وأمريكا، وأطلع على أساليب التنقيب عن المعدن الأصفر، وكيفية استخراجه والأدوات المستخدمة لذلك، وأحاط بالتحديات والمشاق والتهديدات التي يواجهها عمال المناجم والشركات التي تحصل على حق الاستثمار والتنقيب عن الذهب، مثالا إغارات اللصوص وقطاع الطرق خاصة في المناطق التي تفتقد الأمن وتنشب فيها الحروب القبلية أو "المنقبين غير الشرعيين" وتخريب المناجم بعد نهبها. كما عرض لسيرة عدد من الجيولوجيين والعلماء الذين كانت لهم اسهاماتهم وجهودهم المعروفة في اكتشاف حقول الذهب، وأشار إلى الدراسات والأبحاث المتخصصة التي نشروها عن أنواعه - أي الذهب الرديئة والممتازة - وكيفية التمييز بينها ومواقع اكتشافه وآليات استخراجه وتكلفتها مقارنة بقيمته في الأسواق، ففي "قعر منجم مبونينغ، في حيز ضيق وتحت ظروف بالغة القساوة، يطارد المنقبون الفلز بمعدات الحفر في مكمنه داخل أعماق الصخر تحت أدنى الطبقات الجيولوجية". وعن الحوادث المميتة التي تقع في مناجم الذهب استعرض جملة منها ففي واحدة منها "انفلتت قاطرة سكة حديد تحت أرضية، وكانت تقطر العربات خلفها، منحدرة ٧ آلاف قدم عبر أحد المهابط لتصطدم بمصعد مكون من طبقتين، فأودت بحياة ١٠٥" من عمال المنجم. وتحتاج الطبقات الدنيا من المناجم التي تشتعل فيها درجة الحرارة إلى "٦ آلاف طن من الماء المجمد "الثلج" يوميا لإبقاء أعمق مستويات منجم مبونينغ عند درجة حرارة مقبولة"، ففي هذه المتاهات الخانقة والمميتة يبقى "بريق النور الوحيد هو حلم الذهب". ويقدر الكاتب حجم السرقات التي تقوم بها "مجموعات اللصوص والعمال والمهربين بخمسة وثلاثين طنا من الذهب في السنة"، في جنوب افريقيا فقط. ولا يفوت الإشارة إلى استشراء الفساد في المواقع التي يتم فيها التنقيب عن الذهب واستخراجه درجة أن "الشرطة تساعد على نهب المناجم" مقابل نسبة من المال تحصل عليه. في فصل مستقل تناول "ماثيوهارت"، قصة الذهب الذي حصل عليه الاسبان ممزوجا بعذابات ودماء الشعوب المستضعفة، بقايا الامبراطوريات التي تم القضاء عليها بوحشية وهمجية لا مثيل لهما في التاريخ، ليحصلوا على المعدن الأصفر، وبالأخص في مناطق أمريكا اللاتينية، مثل امبراطورية شعب الأنكا، في البيرو، "بدأت مشغولات الذهب تتدفق عبر الطرقات الملكية إلى كاجاماركا، كانت ثمة كؤوس وآنية وتماثيل مصغرة بديعة الصنع وطيور ذهبية وأشجار ..." جعلت الإسبان يذهلون "من كمية الذهب الموجودة، والكنوز العجيبة، فتحدثوا عن حدائق صغيرة مصنوعة من الذهب ...".واستطاعوا بعد صهرهم لتلك الكنوز أن "يجمعوا في شهر واحد ما يعادل ١٣٢٦٥٣٩ بيزو ذهبيا، أي نحو ٣٤٠ مليون دولار في عملة هذا الزمان، وعادلت حصيلة شهر واحد من السبائك الذهبية إنتاج عام كامل من الذهب الأوروبي". وكان على الإسبان ذبح عشرات الآلاف من سكان تلك الشعوب واستعبادها للحصول على هذه الكميات الضخمة، ففي مذبحة واحدة فقط تم قتل "ستة آلاف من شعب البيرو" واشار أحد كتابهم إلى أن "الإسبان قتلوا الهنود الحمر ذبحا كما يجتز الجزار رؤوس الأغنام". فعلى "صرير الأقلام، كان إرث الإنكا يمضي إلى الفرن، وكان نهر من الذهب يتدفق نحو أوروبا". تمتلئ خزائن الإمبراطوريات والأغنياء بالذهب مقابل سحق ملايين المعذبين من البشر في مذابح مهولة ومثلهم من المستعبدين يموتون تحت طبقات المناجم في ظروف عمل لا تطاق.