تعيش الصناعة النفطية دورات من الصعود والهبوط أبرز معالمها ما يجري في جبهة الأسعار التي تعكس في واقع الأمر ما يجري في جانبي العرض والطلب. ومن خلال التجارب التي مرت بها الصناعة يمكن بلورة قاعدة بسيطة وهي أنه كلما ارتفعت معدلات الأسعار كلما تأثر الطلب ووصوله إلى مرحلة التراجع، وبنفس القدر فإن تراجع الأسعار يشجع على زيادة الاستهلاك ومن ثم تسريع الطلب، وما لم تواكب ذلك زيادة في الاستثمار في ميادين العمليات الأمامية من استكشاف وإنتاج وفي وقت ملائم فإن الأرضية تتهيأ في واقع الأمر إلى احتمال حدوث قفزة سعرية تسهم هي بدورها في العودة إلى دورة أخرى من خمود في الطلب بسبب ارتفاع الأسعار، وهكذا دواليك مما يعرف بالدورات التي تمر بها الصناعة النفطية ويقدرها البعض بفترة خمس سنوات في المتوسط لكل دورة.
في العام 2014 وصلت أسعار النفط إلى ذروتها التي تجاوزت بها حاجز المائة دولار للبرميل وبدأت عمليات التراجع في الطلب وهو ما تطلب من أوبك العمل على خفض الإنتاج ووجدت أنها عمليا لابد لها من استصحاب المنتجين الآخرين ليتحملوا جزءا من العبء، وهو ما نجحت فيه في العام 2017 ببرنامج خفض لا يزال مستمرا، لكن بدأت بعض المؤشرات تترى أن الفترة الطويلة لبقاء الأسعار منخفضة أصبحت تهيئ في الأرضية للدخول في دورة جديدة.
وأولى هذه المؤشرات أن الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري قد لا يستمر بنفس القوة وتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أنه بنهاية هذا العام فإن الزيادة في الإنتاج الأمريكي ستكون الأقل في غضون أربع سنوات، ويلعب عامل تراجع عدد الحفارات العاملة التي شهدت تراجعا في كل شهر من الشهور العشرة السابقة وبلغت النسبة 20 في المائة منذ نوفمبر المنصرم، وبلغت نسبة التراجع في حقل بيرميان المشهور بإنتاج النفط الصخري 11 في المائة منذ بداية العام وحتى أغسطس.
المؤشر القوي الآخر يتمثل في تراجع الإنفاق الرأسمالي في ميادين الاستكشاف والإنتاج وبنسبة تصل إلى 45 في المائة في الفترة بين عامي 2014 - 2016 إبان فترة ذروة ضعف الأسعار، وفي عام 2017 كان حجم الاستكشافات النفطية الأقل منذ الخمسينيات، ولو أنها بدأت تشهد بعض التحسن خاصة والأرقام المتوفرة تشير إلى أن عمليات الإحلال قد بلغت 7.7 مليون طن نفط مكافئ في العام 2018 مما يعني أن كل برميل نفط واحد من كل ستة يتم تعويضه وهي أقل نسبة في غضون عقدين من الزمان. وبلغة الأرقام فإن حجم الإنفاق تراجع من 153 مليار دولار إلى 58 مليارا خلال فترة عامي 2014 - 2016. هذا بالإضافة إلى عوامل إضافية مثل تسارع نسبة تدهور إنتاج الآبار وتراجع عمليات الصيانة بسبب التكلفة، الأمر الذي يهيئ الساحة إلى قفزة سعرية.