الادخار وتجربة سنغافورة

إن أهمية الادخار في أي دولة تكمن في أنه لا يمكن أن يكون هناك استثمار من دون ادخار، ويعتبر صغار المستثمرين أكثر أهمية حتى من صناديق التقاعد والاستثمار المؤسسي في الكثير من الدول. ومن هنا فإن البنوك التجارية في أي دولة تهتم بهذه الفئة التي تسميهم بالعملاء الرئيسيين، وهم ليسوا أصحاب الودائع طويلة الأجل، بل هم أصحاب المدخرات الصغيرة، وبذلك فإن ادخارات الأبناء التي تبدأ في وقت مبكر شديدة الأهمية. وعلى المستوى الخليجي فهناك إجماع على أن الفرص التي أتيحت للشباب الخليجي خلال السنوات الماضية كان ينبغي عليهم أن يوجهوا جزءًا من أموالهم للادخار حتى ولو بمقدار بسيط جدا في حدود 100 أو 200 دولار مثلا كل شهر أو مهما صغر هذا المبلغ، حيث من المهم هو غرس وترسيخ فكرة الادخار وجعلها عادة لدى الشباب والأطفال.  ومن هذا المنطلق تجبر بعض الدول مواطنيها على الادخار من خلال تقديم حوافز لهم. ودولة سنغافورة خير مثال على ذلك، حيث يوجد لدى هذه الدولة في مجال الادخار الإجباري نموذجًا جيدًا من خلال إجبار مواطنيها على ادخار نحو 20% من صافي دخلهم لعدة سنوات، وبالمقابل تمنحهم الحكومة حوافز منها مثلا أن قيمة العقارات في سنغافورة مرتفعة الثمن للغاية، بينما تقوم الحكومة هناك بتوفير العقار للمواطن مقابل قيامه بالادخار بمعدل إجباري وإلا فقد المواطن مثل هذه المزايا التي تمنحها الحكومة. واليوم فقد بلغت حصة الفرد السنغافوري من الناتج القومي 62.4 ألف دولار سنويًا، وهي بذلك تحتل المرتبة السابعة عالميًا على هذا الصعيد، متقدمة على كافة الدول الصناعية الكبرى في العالم، وتتمتع البلاد اليوم بمؤشرات اقتصادية باهرة منذ بدء نهضتها ومشاريعها منذ أكثر من 50 عاما من الكفاح. وكان أحد هذه المشاريع هو البرنامج الادخار الوطني وهو برنامج إجباري يعرف بCPF الذي بدأ عام 1955، وهذا البرنامج يجعل الموظفين يشاركون بنسبة من رواتبهم الشهرية في ادخار مستقبلي، بفضل ذلك تمكن اليوم حوالي 85% من السنغافوريين من امتلاك منازل لهم. ويرى بعض الخبراء أن العوامل الطاردة للادخار في الكثير من الحالات هو عدم وجود صناديق موحدة للادخار، واختلاف القواعد التي تحكم هذه الصناديق من مكان لآخر. ولابد من توحيد الأنظمة بحيث تصبح هذه الصناديق أغنى من الحكومات نتيجة ما تجمع من كم هائل من المدخرات إلى درجة أنها تستطيع إقراض الحكومات، وتمويلها أحيانا، وأن تصبح أكثر إنفاقا واستثمارا في قطاعات اقتصادية مختلفة. ومن هنا يجب على صناديق الضمان أو التقاعد القيام بضخ استثمارات حقيقية حيث إنه بإمكانها أن توفر ادخارا مريحا للمواطن، ويفيد الاقتصاد الوطني في الوقت نفسه. وعموما فإن مدخرات المواطنين إذا ما تحولت لادخار من قصير إلى طويل المدى فإنه يمكن لها أن تستثمر وتصبح رأسمال جيدا لقيام شركات صغيرة ومتوسطة في البلاد. أما مدخرات الدول فيمكن أن تستخدم في المحافظة على معدلات التضخم والحفاظ على سعر صرف العملة الوطنية. ومن هنا فإن تدني معدلات الادخار في أي دولة قد تدفعها للاقتراض من دول خارجية لتقع بذلك تحت رحمة حكومات أخرى أو تحت رحمة الاستثمار الأجنبي.