الشائعة في اللغة العربية تعني خبر مكذوب أو نبأ يذيع في المجتمع عن حادثة موهومة وقعت أو يحتمل وقوعها، فيقال مثلا لا تصدق كل شيء تسمعه فالشائعات كاذبة. ولكن في مجتمعاتنا العربية لا يمكن للفرد أن يتجاهل جميع الشائعات حيث إن بعضها أصبحت تمثل مصدرًا للمعلومات وتعكس طبيعة النظام السياسي والاجتماعي القائم. فعلى سبيل المثال عندما يخلو منصب إداري ما كمدير أو وزير أو وكيل أو مع كل تعديل وزاري مرتقب، تبدأ التكهنات والشائعات تغزو أفراد المجتمع بشكل غريب جدا وذلك حول من سيتم تعيينه في ذلك المنصب الإداري أو الوزاري. ويبقى هذا الحديث هو الشغل الشاغل للديوانيات والمجالس وموظفي الدوائر الحكومية وجميع وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن يصدر قرار التعيين. وتتمحور الشائعات والتوقعات في الأشخاص المقربين لصاحب القرار، فمثلا هناك من يقول "مثل المرات السابقة التعيين سيكون من حاشية الوزير أو الرئيس"، وهناك من يقول "فلان هو الأوفر حظا لأنه الذراع الأيمن لصاحب القرار وهو منتظم في حضور الديوانية أو المجلس الأسبوعي للمسؤول"، والبعض الآخر يتوقع شخص آخر لسبب كتاباته المميزة والتي تمجد المسؤول وهو من المؤيدين لفكره وسياساته، ومنهم من يتوقع أن يكون الاختيار من عائلة أو قبيلة معينة لولائها للنظام". وهكذا تتنوع الشائعات والتخمينات. والغريب في الأمر هو أن 97 في المائة من تلك الشائعات والتوقعات تكون صحيحة وواقعية، حيث تصدق الشائعات ويتم في أغلب المرات تعيين شخص من الحاشية أو من يعمل على محاباة المسؤول من خلال القلم أو الالتزام بحضور المجلس أو الديوانية، مما يعني أن أفراد المجتمع على دراية تامة بالكيفيةً التي يتم فيها ملئ المناصب الحكومية، فتصدر منه الشائعات لتعبر عن عدم ثقته في كفاءات كثير من المسؤولين والوزراء. فهو في الواقع يتفاعل مع عملية اختيار الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب. إن وجود مثل هذه الشائعات ودقتها في مجتمعنا العربي له دلالات عديدة فهي تمثل ظاهرة اجتماعية فريدة من نوعها من الصعب أن تراها في المجتمعات الديمقراطية، ليس لكونها تعكس حالة من الفساد المحرم فحسب وإنما تكشف لنا أن مجتمعنا العربي رضا أن يتعايش مع أخطر أنواع الفساد الإداري وأكثرها ضررا على تنميته وتقدمه واستقراره. فمن خلال تلك الشائعات ودقتها نلاحظ أن المواطن العربي اعتاد على الكيفية والمعايير التي يتم بها ملئ المناصب الإدارية في القطاع العام، حيث عادة ما تكون على أساس العلاقات والمصالح الاجتماعية وليس المعايير الوظيفية والكفاءات كالخبرة والمعرفة والمؤهلات العلمية والقدرات الإدارية. وفي الحالات النادرة جدا والتي يتم فيها اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب يتفاجئ الجميع ويصبح خبر التعيين وكأنه انقلابا على السياسة القديمة فيصبح حديث الساعة حيث تشيد الصحف والقنوات الإعلامية بهذا القرار، وتطلق عليه مسميات مثل الإصلاح ومحاربة الفساد وإدخال دماء جديدة من الكفاءات والشباب. والنتيجة المزمنة والنهائية هي مكانك سر يا عربي.