مشاهدات وقراءات من إسبانيا

الحياة في إسبانيا غالية مقارنة ببعض الدول الأوروبية المجاورة التي زرتها سابقا مثل ألمانيا والنمسا، والسلع والبضائع مرتفعة أسعارها وقد أجرينا مقارنات لبعض المشتريات والسلع الاستهلاكية ووجدنا أن الفارق كبير بين سعرها في الأسواق الخليجية وأسواق إسبانيا، والأموال تتلاشى بشكل سريع، حتى مواقف الفنادق رسومها اليومية مكلفة، هل يعود ذلك إلى ارتفاع نسبة الضرائب والرسوم أم لأسباب أخرى؟ مع أن التقارير الاقتصادية تقول بأن السوق الإسباني تحول إلى متنفس للفرنسيين من مناطق الجنوب، بسبب الضرائب الخانقة فيها. نبيل شاب جزائري تعرفنا عليه في مطعم مغربي وقع اختيارنا عليه لتناول وجبة الغداء في أول يوم قضيناه في بلنسية، يعمل نبيل هنا منذ اثنتي عشرة سنة متزوج ولديه أبناء، ترك وطنه بعد أن ضاق به الحال ولم يجد عملا، مثله كمثل معظم شباب الأوطان العربية التي لم توفر حياة كريمة لشعوبها بسبب الفساد والعبث بالأموال العامة وسيطرة أنظمة لا هم لها الا تحقيق مصالحها والبقاء في السلطة وتعظيم أرصدتها في المصارف العالمية، ورغم ما تمتلكه بلدانها من ثروات النفط والغاز والاسماك والمعادن والصناعات والمقومات السياحية والمواقع الاستراتيجية، إلا أن شعوبها تعيش حياة الفاقة والفقر والجهل والبطالة والملايين من الشباب من أمثال نبيل ونذير عماد مستقبل الأمة وأملها ضحية لها، عشرات الشباب العرب ذكورا واناثا التقينا بهم في المدن الإسبانية يعملون في المطاعم والمقاهي ومراكز التسوق خاصة، يصل متوسط دخولهم ما بين ٨٠٠ الى ١٠٠٠ يورو في الشهر وهو أجر متواضع مقارنة مع تكلفة الحياة والمعيشة الباهظة في أوروبا.  في سوق اللحوم والأسماك والخضار في اشبيلية تنتشر المقاهي الحديثة التي تقدم خدماتها للمستهلك والسائح والبائع والعاملين فيه ضمن رؤية اقتصادية تقوم على التكامل في الخدمات، وتشغيل وتنشيط الأوردة الاقتصادية لبعضها البعض والتي من فوائدها الهامة كذلك توفير أكبر قدر من الوظائف، ما لفت انتباهنا وجود مسرح صغير داخل السوق يقدم عروضا مسرحية وموسيقية يجذب المستهلكين ويخلق المزيد من النشاط والترفيه ولأن الفنون جزء رئيسي من ثقافة الإسبان يحتاجها حتى العاملون في هذا السوق الجميل، عندما طرحنا عدة أسئلة على أحد بائعي الفواكه والخضروات عن مصدرها وفيما إذا كانت اسبانية أو من خارجها، وعن الأسعار والأنواع والحركة الشرائية كانت اجاباته واسعة وتنم عن معرفة وثقافة متنوعة واحترام للسائح، فرغم إدراكه أن زيارتنا ووجودنا ليس بهدف الشراء إلا أنه أجابنا على أسئلتنا بصبر وتحمل وترحيب بالمزيد من الأسئلة، أسعار الخضروات والفواكه متواضعة جدا أما اللحوم والفواكه فمرتفعة السعر. عندما سألت وائل الشاب العربي الذي يعمل في التجارة ولديه عدد من المحلات التجارية في قلب (مدريد)، والذي جمعنا في أحد المقاهي الحديثة لتناول القهوة - عن المصادر ووسائل النقل والمراكز التجارية التي تتدفق منها السلع والبضائع الى أسواق مدريد المدينة التي يبعد عنها البحر والموانئ أكثر من ٥٠٠ كيلو، أكد بان للصين مدينة متكاملة ومخازن واسعة تصل إليها البضائع والسلع مباشرة عن طريق حاويات القطارات أو السفن التي تستقبلها الموانئ الاسبانية، وأسعارها أرخص حتى من السوق الصيني نفسه، وقد تحولت مدريد إلى مصدر مهم يمول الأسواق الأوروبية بالسلع الصينية الرخيصة. إنه المارد القادم فعلا الذي يكتسح أسواق العالم وموانئه ويستولي على أهم الاستثمارات والمصانع فيها.