كانت زيارة "رواندا"، بمثابة دعوة لا بد من تلبيتها في هذا التطواف، لاكتشاف مدن ومناطق جارتها "تنزانيا"، التي لم يكن منها مفر وان طال الزمن وتأخر الوقت، فالروابط والمشتركات عميقة وعديدة ولها جذورها التاريخية والاقتصادية، فقد استوطن العمانيون هذه المناطق لعقود طويلة، واستصلحوا الأراضي الزراعية وهيأوها، ومارسوا التجارة بأنواعها، الملابس والمواد الغذائية ووقود السيارات والأثاث والكماليات، وازدهرت التجارة البحرية والنهرية بين المدن الإفريقية أو مع دول وأسواق العالم الأخرى، وقد تعددت دوافع وأسباب هجرة العمانيين إلى شرق إفريقيا بين الاقتصادي والبحث عن الأمن والاستقرار في أوقات الحروب، وسياسيا من أجل تطهير المنطقة من الاستعمار البرتغالي، ولكن لماذا اختاروا الشرق الإفريقي دون غيره؟ هل لتوفر كميات ضخمة من المياه العذبة والأراضي الزراعية الواسعة الخصبة والصالحة، وثراء البيئة وتنوعها، اللذين تفتقدهما عمان التي عانت من الجفاف وقسوة الأرض وعدم صلاحية معظمها للزراعة، أو لكون أن المنطقة مهيأة وقابلة لأن يجد فيها المهاجرون ما يحقق طموحاتهم وتطلعاتهم في العمل وزيادة الموارد المالية؟ أم بسبب الصلات التجارية مع الشرق الأفريقي التي تمتد إلى عصور موغلة في الماضي، واشتراك واطلالة شواطئ عمان ومناطق شرق أفريقيا على المحيط الهندي؟. يشير الباحث "سعيد بن سالم النعماني" في دراسته، "الهجرات العمانية إلى شرق إفريقيا"، بأن أول هجرة سجلها التاريخ للعمانيين إلى تلك المناطق كانت "هجرة الجلندانيين، بقيادة الملك سليمان بن عباد بن عبد الجلندى المعولي، سبقتها وتبعتها هجرات أخرى، "ودلت الشواهد الأثرية على أن علاقة عمان بساحل إفريقيا قد بدأت منذ عصور موغلة في القدم، وأنها قامت على أساس تجاري..."، ولأن "السفن العمانية قد دأبت على السفر إليها، وتراكمت معرفة عن أقاليمها، وسكانها، وثرواتها... وكانت جزيرة "زنجبار" عاصمة الدولة العمانية في عصر السيد سعيد بن سلطان، وأحدث فيها إصلاحات تجارية وزراعية واسعة، وساهم في نشاطها البحري، وفي التبادل التجاري بين شطري الدولة، وعلى المستوى الإقليمي والعالمي، وفي عهده شكلت زنجبار سوقا مهما استقطبت التجار من انحاء مختلفة، وعقدت اتفاقات تجارية مع قوى ودول كثيرة كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وأوروبا، فازدهر اقتصادها وانتعشت تجارتها ونمت الأموال التي ساهمت هي الأخرى في ازدهار مدن وقرى عمانية، عبر التحويلات المالية التي خصص العمانيون جزءا منها لوطنهم الأم لإنشاء المرافق العامة، كالمساجد والمجالس والمدارس وشق الأفلاج وبناء القلاع والحصون والبيوت والقصور الفخمة، ووقف العقارات الزراعية لمستحقيها من المتعلمين وطلبة العلم والفقراء... وتمتلك اليوم، جزيرة القرنفل، عناصر جذب سياحي متنوع، فإلى جانب موقعها الخلاب على شواطئ المحيط الهندي، لمن رغب في الراحة والاستجمام والهدوء، تحتفظ الجزيرة بمعالم وصروح تاريخية مهمة تتمثل في "بيت العجائب" الذي أقامه السلطان برغش، وقصر السيد سعيد بن سلطان "المتوني"، وقلعة "العرب" ومنطقة "ستون تاون" التي تحتضن الحارات والأزقة والأسواق الشعبية ومقرات العبادة والمباني والبيوت الأثرية القديمة... التي شيدت قبل مئات السنين، وتستثمر اليوم من قبل عدد من رجال الأعمال الخليجيين والهنود والأوروبيين، وتحويلها إلى منتجعات وفنادق ونزل ومطاعم ومقاهي تستقطب مئات السياح يوميا، وتشكل موردا ماليا مهما وتسهم في توفير أشكال من الوظائف والمهن لسكان زنجبار، الذين يعانون كما هو واضح من الفقر الشديد، حالهم كحال معظم أطياف الشعب التنزاني.