الركود التضخمي الناجم عن الحروب التجارية

يعد الركود التضخمي أحد أخطر التحديات الاقتصادية التي يمكن أن تواجه الدول، حيث يجمع بين معدلات تضخم مرتفعة وتباطؤ اقتصادي مصحوب بارتفاع معدلات البطالة. وفي ظل العولمة الاقتصادية، تؤدي الحروب التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى إلى اختلالات خطيرة تؤثر على النمو والاستقرار الاقتصادي العالمي. وإذا اردنا توضيحا اعمق لمفهوم الركود التضخمي فهو حالة اقتصادية نادرة تتسم بتباطؤ النمو الاقتصادي أوما يسمى الركود، مصحوبًا بارتفاع معدلات التضخم. تنشأ هذه الظاهرة عندما ترتفع أسعار السلع والخدمات بشكل مستمر، في الوقت الذي تتراجع فيه القدرة الشرائية للأفراد وتقلص الشركات استثماراتها، مما يؤدي إلى ركود النشاط الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة. ونأتي هنا لبيت القصيد ونرصد العلاقة بين الحروب التجارية والركود التضخمي، فلا شك أن الحروب التجارية تحدث عندما تفرض الدول رسومًا جمركية مرتفعة، وتفرض قيودًا على الواردات والصادرات بهدف حماية صناعاتها الوطنية. هذه السياسات تؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي من خلال العوامل التالية: ارتفاع تكاليف الإنتاج: فرض الرسوم الجمركية على السلع المستوردة يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج، حيث تعتمد العديد من الصناعات على المواد الخام والمنتجات الوسيطة المستوردة. يترجم ذلك إلى ارتفاع أسعار المنتجات النهائية، مما يدفع الشركات إلى نقل التكاليف إلى المستهلكين، وبالتالي رفع مستويات التضخم. انخفاض الإنتاج والاستثمار: تؤدي السياسات الحمائية إلى تراجع التجارة العالمية، مما يقلل الطلب على السلع المصنعة. ايضا الشركات التي تعتمد على التصدير ستعاني من انخفاض الطلب، ما يدفعها إلى تقليص الإنتاج وتسريح العمال، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة. والأهم بوجهة نظري هو تراجع الثقة الاقتصادية حيث عدم الاستقرار الناتج عن الحروب التجارية يؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين والمستهلكين على حد سواء وايضا مع ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية، يتردد المستهلكون في الإنفاق، مما يؤدي إلى مزيد من التباطؤ الاقتصادي. اضطراب الأسواق المالية: تؤدي الحرب التجارية إلى تذبذب الأسواق المالية بسبب عدم اليقين بشأن النمو الاقتصادي. وقد تتسبب هذه الاضطرابات في خروج رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة نحو الأصول الآمنة مثل الذهب والدولار الأمريكي، مما يزيد الضغط على العملات المحلية ويعمق الأزمات الاقتصادية. وهناك أمثلة تاريخية على الركود التضخمي بسبب الحروب التجارية أهمها في الحقبة السابقة هي حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين 2018- 2020 حيث فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية على السلع الصينية، مما دفع الصين للرد بإجراءات مماثلة. أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع في الأسواق الأمريكية وانخفاض الصادرات الزراعية الأمريكية إلى الصين، مما أضر بالمزارعين والشركات وتراجع النشاط الصناعي وارتفعت التكاليف، مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي مع ارتفاع معدلات التضخم. من الأمثلة أيضا التي لعب العرب دورا فيها هي أزمة النفط في السبعينيات عندما فرضت الدول العربية حظرًا نفطيًا على الغرب بسبب دعم إسرائيل، ارتفعت أسعار النفط بشكل حاد، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع النمو الاقتصادي، ما تسبب في ركود تضخمي واسع النطاق. السؤال الآن كيف يمكن تجنب الركود التضخمي الناجم عن الحروب التجارية؟ أولا: تعزيز الحوار بين الدول الكبرى للوصول إلى اتفاقيات تجارية عادلة تقلل الحواجز الجمركية وتحفز التجارة العالمية. ثانيا: يجب أن تعتمد البنوك المركزية على مزيج من السياسات النقدية لكبح التضخم دون الإضرار بالنمو الاقتصادي. كما أن الحكومات يمكنها دعم الصناعات المحلية دون اللجوء إلى الحمائية المفرطة التي تؤدي إلى ردود فعل انتقامية من الدول الأخرى. ثالثا: تقليل الاعتماد على مورد واحد أو شريك تجاري رئيسي يمكن أن يحد من تأثير الصدمات التجارية ويعزز استقرار الاقتصاد المحلي. بالنهاية يجب ان نتعلم من دروس الماضي ويقتنع قادة الدول الكبرى أن الركود التضخمي الناتج عن الحروب التجارية يمثل تحديًا كبيرًا للاقتصاد العالمي بما فيه دولهم، ما يعني أن اتباع سياسات تجارية أكثر توازناً، سيعزز التعاون الدولي لتجنب الأزمات الاقتصادية التي تؤثر على الاستقرار العالمي ككل في المديين القريب والبعيد.