تحديات القوة الصامتة

لا شك أن الصين هي القوة الصامتة الذكية التي تلعب دورا متزايدا في السياسة والاقتصاد الدوليين. في 532022 قالت الحكومة الصينية أنها تهدف الى تحقيق نسبة نمو 5,5%، وهو الهدف الأدنى منذ سنة 1991 بعد تراجع النمو الى 2% في 2020. فترات النمو المرتفعة السابقة ربما ذهبت الى غير رجعة في ظل المعطيات الصينية الداخلية كما الأوضاع الدولية. ما هي التحديات التي تواجه الصين في وجه تحقيق نمو قوي طويل الأمد؟ فجوة الدخل والثروة المتسعة كثيرا ودائما يمكن أن تؤذي العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الصيني. بطالة ال 5% مرتفعة في مجتمع ضماناته الاجتماعية محدودة. أما الفساد، فمؤشراته ترتفع في كل أنحاء المجتمع، كما أن المعايير الدولية المعتمدة تؤكد ارتفاعه داخل الصين. في مؤشر الشفافية العالمية تقع الصين في المرتبة 66 من أصل 180 دولة يجري تقييمها. قيمة المؤشر هو 45 علما أن المرتبة الأولى هي للدانمارك مع مؤشر 88 أي ما يقارب المثالية. سياسة الطفل الواحد التي اعتمدت لسنوات وألغيت مؤخرا جعلت المجتمع الصيني يعتمد في هيكليته على المسنين، أي هرمية معاكسة تضر بالانتاج والنمو. تراجع الحكومة عن السياسة لن يعطي نتائج ايجابية بسرعة بسبب التغيير في عقلية العائلات. أما أوضاع الشركات الصينية وخصوصا شركات القطاع العام، فتعاني من فساد وضعف انتاجية وفعالية كبيرتين وبالتالي تحتاج الى عمليات جراحية عميقة كي تتعافى. أما التلوث الذي يعاني منه الاقتصاد فيحتاج الى تغيير أو تحديث لآليات الانتاج والتكنولوجيا بحيث لا تضر بصحة المواطنين وتعرقل عمليتي النمو والتنمية. نضيف الى العوامل السابقة اثنين مهمين هما الكورونا التي فشلت سياسات الاقفال المدني في قمعها، والحرب الروسية على أوكرانيا التي لها تداعيات اسيوية وعالمية كبيرة. أثرت الكورونا على امدادات السلع وعرقلت عمل الاقتصاد العالمي وسببت زيادات كبرى في مؤشرات التضخم. تخاف الصين من ارتفاع أسعار سلع الغذاء المستوردة حيث بلغت الفاتورة الاستيرادية 133 مليار دولار في سنة 2019. بسبب ضعف العرض والكورونا ارتفعت أسعار سلع مهمة كالخضار في المدن الصينية حوالي 31% من شهر 11-2020 الى 11-2021. كما أن أسعار البيض في الصين ارتفعت 20% في المدة نفسها. المواطن الصيني يفقر وصحته أسواء والأفق لا يبشر بالانفراج. مشكلة أسعار السلع الغذائية كبيرة للصين، لكن أوضاع الطاقة لا تقل أهمية لأنها تستورد الغاز والنفط كما الفحم وبالتالي يمكن أن تتكل على روسيا لتموينها بالطاقة. روسيا هي المصدرة الأولى للنفط للصين منذ سنة 2016، وقريبا سيكون حال الغاز الروسي. 12% من مجموع الواردات الصينية من النفط والغاز يأتي من روسيا. الطاقة هي ركيزة العلاقات الروسية الصينية التي تتغير منذ عقود بين المواجهة والتعاون تبعا للمصالح الداخلية كما الدولية. ما يجمعهما اليوم هو العداء لأميركا بسبب أوكرانيا وتايوان، لكن امكانية الخلاف السياسي ما زالت قائمة خاصة في المواضيع الأسيوية الحارة جدا.