أكثر من مائة سنة مرت منذ إنشاء الاتحاد السوفياتي وحصول الثورة الشيوعية، سيحاول لعقود عديدة قادمة الباحثون تقييم ما حصل، إذ إن فهم التاريخ يأخذ الكثير من الوقت خاصة في ظروف لم تكن المعلومات خلالها واضحة. لذا أوضاع الاتحاد السوفياتي، ثم روسيا شغلت وما زالت تشغل العالم. روسيا متقدمة جدا عسكريا ومتأخرة اقتصاديا، فهل هذا النموذج ناجح؟ إعادة انتخاب بوتين بالطريقة غير التنافسية التي تمت بها مؤخرا تشير إلى أن روسيا لم تعتمد بعد الديمقراطية السياسية. هذه هي الولاية الأخيرة للرئاسة البوتينية، هذا إذا لم يعدل الدستور ليبقى سنوات أخرى كما فعل الجار الصيني وكما ربما يرغب ترامب في القيام به. العلاقات بين الغرب والشرق عادت إلى التأزم مع ما حصل للجاسوس الروسي المزدوج وابنته في بريطانيا نتيجة الغاز الذي تتبرأ منه موسكو. العلاقات بين الغرب والشرق عادت إلى التأزم، وكأننا مجددا في حرب باردة لن تنتهي بسرعة. العلاقات بين الغرب والشرق لا تقتصر فقط على روسيا وإنما أيضا على الصين وكوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا. حصلت الثورة الروسية في سنة 1917 في 6 و7 نوفمبر تبعا للمفكرة الغربية وفي 24 و25 أكتوبر تبعا للمفكرة الروسية. المتعارف عليها هي «ثورة أكتوبر» التي حققها لينين (1870 - 1924) بالرغم من فشل أولي مهم. حاول لينين القيام بثورته قبل أشهر إلا أنه فشل، ففر إلى فنلندا بعد أن كان لاجئا في سويسرا. حصلت الثورة وتنازل القيصر واستلم الشيوعيون وكانت الآمال كبيرة بالنسبة للنتائج، إلا أن الرياح لم تجر كما تشتهي السفن. تحقق النمو الاقتصادي القوي نتيجة تراكم رأس المال التقني والمادي وليس من التكنولوجيا المتطورة ومن حسن استعمال المواد الأولية والآليات. بني البرنامج الاقتصادي السوفياتي على ركائز ثلاثة مبنية بدورها على الماركسية العقائدية، الصناعة هي العمود الفقري للاقتصاد والقسم الثقيل أهم في رأي الحكم السوفياتي من الخفيف. بين سنتي 1928 و1940، ارتفع الإنتاج الصناعي السوفياتي 170% لكن المشكلة التي ظهرت لاحقا هي في التكلفة والفعالية والإنتاجية، الكمية مهمة لكنها غير كافية للنجاح والاستمرارية. كما اعتمد الاقتصاد على توافر يد عاملة عديدة في الريف تمكن الاستفادة منها في الزراعة، كما يمكن نقلها إلى المدن وتحويلها إلى الصناعة. هذا الاحتياطي البشري كان مهما جدا واستنزف إلى أقصى الحدود حتى بالفرض والقوة. كذلك كان التركيز على التعاونيات الزراعية للإنتاج الكمي والنوعي حيث نعم الاتحاد السوفياتي بأراض شاسعة كان يمكن استخدامها بطرق أخرى رفعا للإنتاجية. لم تنجح الدولة زراعيا، إذ انخفض الإنتاج الزراعي حوالي الربع بين سنتي 1928 و1940، فلم تتمكن الحكومة من نقل الغذاء الكافي إلى المدن. من كان يعتقد أن الاتحاد السوفياتي سيستورد الحبوب والقمح من الغرب وهو الشاسع الواسع، الدروس الروسية لم تنضج بعد لكنها على الأرجح لا تشجع على النسخ والتكرار.