انطلاقا من الإحساس بالمسؤولية، والدور الكبير الذي تلعبه قطر لنشر السلام حول العالم، ولكونها حاليا محورا مهما للدبلوماسية العالمية، ووسيطا دوليا موثوقا به، بدأ حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، كلمته خلال افتتاح دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الأول، الموافق لدور الانعقاد السنوي الثاني والخمسين لمجلس الشورى، بإعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية، حيث قال سموه في مستهل خطابه الرصين "مع أننا اعتدنا على التركيز في لقائي السنوي معكم على القضايا الداخلية، اسمحوا لي هذه المرة أن أبدأ بالأوضاع في فلسطين. فأشقاؤنا الفلسطينيون يعيشون ظروفا عصيبة تفوق التصور". العدوان الغاشم على الشعب الفلسطيني استحوذ على نسبة كبيرة من الخطاب السامي، في ضوء ما توليه دولة قطر من حرص على إيقاف دائرة العنف وخفض التصعيد ووقف سياسة العقاب الجماعي التي تتبعها اسرائيل، وإجبار المدنيين على النزوح وحث المجتمع الدولي على التحرك العاجل لمواصلة إدخال المساعدات الطبية والغذائية إلى غزة، ومن ثم البحث في حلول تنهي الصراع في الأراضي المحتلة وتضع حدا لمعاناة الشعب الفلسطيني. لهجة سموه في الخطاب كانت صارمة، حملت رسائل مهمة للغاية ليس للكيان الإسرائيلي فقط، بل إلى العالم أجمع، ومن بين أهم النقاط المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي أكد عليها سموه خلال الخطاب السامي: - لا يجوز السكوت عن القصف الهمجي غير المسبوق الذي يتعرض له المدنيون في قطاع غزة. - نحن دعاة سلام نتمسك بقرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية وغيرها. - نحن ضد التعرض للمدنيين الأبرياء من أي طرف أيا كانت جنسيتهم ولا نقبل الكيل بمكيالين. - ما يجري خطير للغاية بما في ذلك الدوس على جميع القيم والأعراف والشرائع الدينية والدنيوية. - نقول كفى.. لا يجوز أن تمنح إسرائيل ضوءا أخضر غير مشروط وإجازة غير مقيدة بالقتل. - لا يجوز استمرار تجاهل واقع الاحتلال والحصار والاستيطان. - لا يفترض أن يسمح في عصرنا باستخدام قطع الماء ومنع الدواء والغذاء أسلحة ضد شعب بأسره. - ندعو إلى وقفة جادة إقليميا ودوليا أمام هذا التصعيد الخطير الذي يهدد أمن المنطقة والعالم. - ندعو إلى وقف هذه الحرب التي تجاوزت كل الحدود. وهنا لابد من الإشارة أيضا إلى التساؤلات التي طرحها سمو الأمير حول القضية الفلسطينية.. حيث سأل سموه المصطفين خلف الحرب الذين يعملون على إسكات أي رأي مخالف: - ماذا بعد هذه الحرب؟ - هل ستجلب الأمن والاستقرار للإسرائيليين والفلسطينيين؟ أين سيذهب الفلسطينيون بعدها؟ وكان رد سموه قاطعا وفاصلا حيث قال "الشعب الفلسطيني باق". بكل شفافية.. لم أسمع أو أقرأ قبل خطاب سموه، كلمات بهذه القوة والوضوح .. كلمات أوجزت القضية.. رسمت حلولا من قائد حرص كل الحرص على نشر السلام والأمن الدوليين .. وحقن الدماء.. ومحاربة الظلم أيا كان من يقف خلفه.. فهنيئا لنا بقائد نفخر به ونعينه على أداء ما يصبو إليه من آمال وطموحات.. ليس لأبناء شعبه فقط.. بل للأمة العربية والإسلامية والعالم أجمع. وبعيدا عن القضية الفلسطينية، وضع خطاب صاحب السمو النقاط على الحروف، ومثل خريطة طريق تستشرف المستقبل في ظل التحديات التي تواجهنا خاصة في ظل الظروف المفصلية التي تعيشها المنطقة، وكذلك المضي قدما في الخطط والمشاريع التنموية التي ستنتقل فيها قطر إلى مرحلة جديدة من الإنجاز والإبداع، وتحقيق المزيد من التطور والنمو ضمن رؤية قطر الوطنية 2030. فقطر تواصل اليوم، السير بثبات نحو بناء دولة المؤسسات والقانون، وقد انخرط مجلس الشورى بكل نشاط ومثابرة في مسيرة البناء على الإنجازات المتواصلة منذ ما يزيد على 50 عاما، من خلال القيام بأداء أدواره الرقابية والتشريعية، خاصة أن مسيرته شهدت إقرار الكثير من التشريعات والقوانين، التي أسهمت في دفع مسيرة بناء الوطن وتحصينه ورقيه وتقدمه في كل المجالات. سمو الأمير تطرق في خطابه للإنجازات العديدة التي تحققت على كافة المستويات، وطرح رؤى وملامح الخطط والبرامج المستقبلية، التي تعبر عن تطلعات الشعب القطري، وكان الخطاب السامي بمثابة تدشين مرحلة جديدة من المسيرة التشريعية الرائدة التي ارتضتها القيادة الرشيدة ومعها الشعب القطري الوفي لتسيير وإدارة شؤون البلاد. سموه ركز في خطابه على الإجراءات التي تتخذها الدولة على المستويين التشريعي والإداري، من أجل تعزيز الانفتاح الاقتصادي والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وحماية حقوق الملكية الفكرية، ودعم تنافسية المنتج الوطني، والتحول الرقمي. ومن بين النقاط المهمة التي تضمنها الخطاب، إبراز سموه اهتمام الدولة بتطوير بيئة الأعمال وجذب الاستثمار وتحقيق الفائدة من البنية التحتية المتاحة، والتي نجحت في تطويرها خلال السنوات الأخيرة مما عزز من تنافسيتها في جذب الاستثمارات، مؤكدا على دور القطاع الخاص في دعم النمو الاقتصادي للبلاد. اهتم سمو الأمير بتشجيع الشركات الناشئة وتطوير التشريعات المنظمة للاستثمار الأجنبي، وإبراز دولة قطر على الصعيد الدولي بوصفها حاضنة للاستثمار الدولي المباشر، لافتا إلى أن القطاع الخاص يترقب صدور استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، كما أكد سموه على استمرار الدولة في سياستها المالية والاقتصادية في اعتماد أسعار نفط متحفظة للموازنة العامة، بالإضافة إلى تعزيز جهود تنويع مصادر الدخل، من خلال استثمارات الدولة في قطاعات اقتصادية متنوعة في الخارج والداخل، ومن خلال تشجيع القطاع الخاص. حكمة سموه كانت حاضرة وبقوة بين سطور الكلمة السامية، فقد رسم سموه سياسات تنموية رشيدة من أجل غد مشرق لأجيال قطر ومستقبل زاهر للبلاد، ليؤكد استمرار مسيرة قطر بخطى ثابتة نحو تحقيق التنمية الشاملة وفق أهداف وركائز رؤية قطر الوطنية 2030. قطر وبتوجيهات من القيادة الحكيمة، مستمرة في مسيرتها التنموية والاستثمار في البشر وترسيخ دعائم دولة المؤسسات وسيادة القانون للنهوض بالبلاد، حتى تتبوأ مكانة متميزة في مصاف الدول المتقدمة.. ويترجم مجلس الشورى الذي يضطلع بأدوار واختصاصات تتواءم مع متطلبات وجوده، رؤية القيادة الحكيمة التي جعلت قطر دولة مؤسسات، تعلي من قيم العدالة والنزاهة، وتعزز المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار. ومع بدء فصل تشريعي جديد، من المؤكد أن مضمون خطاب سمو الأمير سيساهم في رسم ملامح النهضة القطرية الشاملة من خلال إقرار العديد من التشريعات والقوانين المتوقعة، والتي ستساهم بلا شك في دفع مسيرة بناء الوطن وتحصينه ورقيه وتقدمه في كل المجالات.