التحول الرقمي

"التحولات" المتسارعة والمفاجئة هي السمة أو الملمح الرئيسي للعصر الذي نعيشه، تحولات فكرية وعلمية وتقنية ورقمية غير مسبوقة، والمنافسة شرسة بين الدول المتقدمة لتحقيق الانتقال الكامل من عصر بات بأساليبه وأدواته وموضاته واستخداماته، من الماضي، إلى آخر ينقلها إلى مستقبل الابتكار وبراءات الاختراع والتحولات الرقمية والتقنية المستجدة على الساحة، وكل جديد وحديث تنتجه "التطبيقات الذكية"، أو "الذكاء الاصطناعي". وهي في المقابل، منافسة غير متكافئة تخوضها الدول المتخلفة عن الركب الحضاري والعلمي، والضعيفة في مجالات المعرفة والصناعات والبحث العلمي، ومع ذلك تبذل هذه البلدان قصارى جهدها لكي تشارك الآخرين تطلعاتهم وتحقق نجاحا مرضيا في الدخول إلى عصر التحولات المشار إليها، بإمكاناتها المتوفرة وباستخدام التقنيات والوسائل والأدوات المنتجة في البلدان المتقدمة التي تقود هذه التحولات والطفرات الهائلة، ومن يتجاهل التغيرات العميقة والتبدلات الواسعة التي يعيشها العالم، ولا يؤمن أو لا يرى ما يحدث من انقلاب في المفاهيم والوسائل، والانتقال السريع من ثورة علمية إلى أخرى تقبر ما قبلها، فسوف يظل متخلفا غير قادر على مسايرة التطور والتقدم والحياة في عصر الحداثة والتحضر والرفاهية والازدهار، يركب الجمل ويتجاهل الطائرة، ويستخدم الورق والقلم بدلا من أجهزة الكمبيوتر، والرسائل الورقية لا التقنية، ويتعامل بالأوراق النقدية عاجزا عن استعمال بطاقة الصرف الآلي، والاستماع إلى تسجيلات الكاسيت القديم جاهلا بأن الآخرين من حوله انتقلوا الى "السيدي" و"الفلاش" وال"بودكاست"، وبرامج ومنصات متعددة، وبمرور الوقت لن يجد في السوق ما يوفر له متطلباته واحتياجاته التي تجاوزها الزمن، وقضت عليها المنتجات الجديدة، ففي عصر التحولات سالفة الذكر، يقضي الناس معاملاتهم وينجزون أعمالهم ويرعون مصالحهم ويشترون بضائعهم ويحجزون تذاكر الطيران والفنادق والتاكسي ويعقدون الصفقات وهم في منازلهم ومكاتبهم، هذا الواقع يفرض على الجميع بلدانا وحكومات وشعوبا أيا كان موقعها في سلم التقدم، الإسراع في مسايرة التحولات والانتقال إلى عوالم التقنيات والرقميات وعصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بكل أبعادها، وتهيئة البيئة والدعامات والمكنات التي تمكنها من تحقيق تطلعات مجتمعاتها. وتحقيقا لهذه الغاية، فقد اعتمد مجلس الوزراء في سلطنة عمان قبل أيام من كتابة هذا المقال، "البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي"، الذي تضمن جملة من المبادئ المحققة للأهداف التالية: "إيجاد صناعات وطنية في الاقتصاد الرقمي – تعزيز القيمة المحلية المضافة للاقتصاد الرقمي – إيجاد فرص مولدة للدخل، مستدامة ومواكبة للتطور التقني – خلق شراكة استراتيجية مع مؤسسات القطاع الخاص – وتمكين القطاعات الاقتصادية الواردة في الخطة الخمسية العاشرة رقميا". ويسعى البرنامج كذلك، إلى تحقيق أهداف "الحكومة الرقمية، والمجتمع الرقمي، ورقمنة الأعمال"، في تناغم وانسجام يتسم بالشمولية، وفي نسق زمني متفق عليه، وعرض البرنامج لمجموعة من "الفرص المتاحة في الاقتصاد الرقمي بالسلطنة، والبرنامج التنفيذي ومؤشرات الجاهزية". على حسابه في "تويتر" علق الباحث "عبدالعزيز الخروصي"، على انطلاق البرنامج متسائلا "عندما نتحدث عن الاقتصاد الرقمي؛ نتساءل هل البنية التحتية المتمثلة في منظومة الاتصالات وشبكات الانترنت متوفرة في أرجاء السلطنة؟"، نتمنى فعلا أن تكون الجهات المختصة على درجة عالية من الجاهزية الشاملة في تطبيقها "للبرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي"، لضمان نجاحه وتحقيقه لأهدافه دون معيقات.