رَسَم الكمبيوتر الياباني الحلقات الأولمبية في سماء ملعب افتتاح الأولمبياد، مُصَمِّمًا على أنّ قارات العالم لا تزال خَمسًا.. لكن سماء طوكيو تَلبَّدت بالغيوم، لتُعطي المواطنين اليابانيين مساحة أوسع للحديث عن مخاوف محيطة بمنافسات أولمبية تُبرِّر لهم مواقف الاعتراض وعدم الرضا.. وحتى الإعلاميين المشاركين حالت الإجراءات دون حركتهم التي كانت تتجاوز المنافسات الرياضية إلى تفاصيل سياحية وثقافية، فحولوا الأجواء الاحترازية وأيامها إلى أخبار تنافس أخبار الصراع على ذهب الأولمبياد وفضته وبرونزه، لأن الصعوبات التي ترافق الحدث كثيرًا ما تتحول عند الإعلاميين إلى الخبر..! فرضت ضغوط الإجراءات الاحترازية الصارمة نفسها على ما عداها، خصما من متعة البعثات المشاركة- حتى والهدف سلامتهم - وهو ضغط قد لا يعني الباحثين عن متابعة أولمبياد طوكيو عن بعد. لكن القراءة التأملية المتصلة بكورونا ستبقى مَدِينة بالاعتراف بأن الاحتراز مهما بلغت شِدَّته هو في الحقيقة حق أصيل للمنظمين الباحثين عن أولمبياد آمن، ثم إن فيه سلامة الضيف والمضيف على حد سواء.. غَيَّمت سماء طوكيو المحتضنة للدوائر الأولمبية الخمس لتقول لنا بأن أمورا كثيرة اختلفت عن سابقاتها.. افتتاح للأولمبياد بدون جمهور في المدرجات للمرة الأولى في التاريخ.. من كان يصدق..؟ ومحتجُّون يحاصرون ملعب الافتتاح بعبارات أقساها (اخمدوا نيران هذه الشعلة..) وما إلى ذلك من صور الضيق بالعرس الكبير.. مرَّة أخرى.. من كان يصدق..؟ غير أنَّه لا مناص من تَذَكُّر القول إذا عُرِف السببٍ بَطُل العجبُ.. وعندما تتواصل الاعترافات بوجود قرابة ألفي إصابة بكوفيد 19 بصورة يومية في بلد يستضيف أولمبياد 2020 المؤجل، وتظهر حالات إصابة بين الرياضيين الضيوف داخل مربعات الفحص والحجْر والتمحيص، فإن ذلك سيزيد من نسبة يابانيين عَبَّروا عن عدم رضاهم الاستباقي.. وكلها أمور فسَّرت اضطرار الحكومة اليابانية من وقت مبكر لمناشدة مواطني بلد الشمس المشرقة بأن يحسنوا الترحيب بالضيوف. ومن الواضح أن تطمينات الحكومة والقيود الصارمة وتصريحات (توماس باخ) و(ياسوهير ياماشيتا) رئيسي اللجنتين الدولية واليابانية لم تكن كافية لإثناء الناس هناك عن مواصلة القلق بالنظر إلى عدد الإصابات اليوميه في اليابان وتأكيد رئيس منظمة الصحة العالميه أنه لا يزال يأمل في أن يأتي منتصف العام المقبل وقد جرى تلقيح 70% من العالم.. وكلها أمور لم تجعل اليابانيين يتراجعون عن مواقفهم حتى وقد بدأ نجوم وكواكب الأولمبياد التقاط أرزاقهم من الميداليات.. ومن المهم الإشارة إلى أن حفل الافتتاح الذي استعرضت فيه الوفود ألوانها وأعلامها وأزياءها وحالاتها الثقافية تَحوَّل إلى حصص في جغرافيا الدول وسكانها وتاريخها وحظوظها. أيضا الرقصات والابتسامات التي كشفت عنها الوفود أكدت الحقائق الأجمل للأولمبياد، مبشرة بأن جمهور المتابعين عبر الشاشات هم الفائز الأكبر بمنافسات تؤكد أن هناك ما يجمع العالم، وأن الشعار الأولمبي (الأسرع.. الأقوى.. الأعلى) سيبقى شعارًا ملهما يستحضر معه تجليات الرياضيين وعظمتهم وهم يصنعون المتعة والفرح. ودائما.. أجمل التمنيات بدورة أولمبية تُذكي الخيال وتصقُل الوِجدان.. وتُسعِد الإنسان
