الضريبة مطعوم الشعوب

كان لا بد من التطور الطبيعي للانظمة الاقتصادية بالتزامن مع التطور السياسي، فلا يمكن ان تتواجد كيانات سياسية بدون بعد اقتصادي مالي اداري يحدد الإطار السياسي، وهنا بدأت العلاقة سيئة السمعة بين السياسة والمال، اذ ان إدارة الثروة للبلاد هي اداة سياسية لضمان العدالة في التوزيع والاستمرار في التنمية وإنشاء مكونات الاستقرار الاجتماعي من بنية تحتية وتوفير خدمات عامة، وعلى رأس ذلك تأتي عملية صياغة المنظومة التشريعية القانونية التي تحكم السلوك المالي للجميع، اما الضريبة فتشكل عدة أدوات للنظام السياسي ليحقق الاستقرار، فهي اداة تحصيل للحكومة لتمويل خططها ومشاريعها الوطنية سالفة الذكر، وهي من ناحية اخرى اداة مالية واقتصادية للتأثير في اتجاه ونوعية الاقتصاد المشترك والخاص داخل الدولة، لذى فان الضريبة هي اداة حكومية مهمة لإدارة دفة الاقتصاد المحلي وحتى العلاقات الاقتصادية مع دول العالم. اما السمعة السيئة والتي لحقت بالضريبة فقد جاءت بسبب سوء استخدامها وسوء توجيهها، وسأشير هنا الى بعض أوجه الخلل التي تصيب النظام الضريبي والتي تؤدي به للإضرار بدل الإصلاح وأسباب تلك الاختلالات، ومنها فرض ضريبة الجباية او ما يطلق عليها ضريبة المبيعات في حال وجود تضخم مالي محدد بمعنى ارتفاع الأسعار مع ثبات الدخل او نقص القدرة الشرائية، والخلل هنا هو ان فرض الضريبة على الجميع دون استثناء سيؤدي الى عدم قدرة شريحة من المجتمع من الشراء وبالتالي تراجع حجم المبيعات الكلي الامر الذي سيؤدي الى تراجع حجم الانتاج لمنتجي تلك السلع والخدمات وطبيعياً سيقود ذلك الى تباطؤ في النمو الاقتصادي وتراجع في مستوى المعيشة عند بعض فئات المجتمع، والحل في هذه الحالة هو التركيز على ضريبة الدخل الشرائحية التصاعدية على الأفراد والمؤسسات بما يَضمن مساهمة الجميع في تمويل مصادر الضريبة بعدالة وفاعلية. اما الامر الاخر والأكثر أهمية في إدارة الضريبة فهو مكافحة التهرب الضريبي في كل اشكاله لا سيما الغير مباشر، واكبر الأمثلة عليها هي ان القانون في معظم الدول لم يحدد حجم مكافآت المديرين وأعضاء مجلس الإدارات في الشركات المساهمة العامة والتي تشكل اكبر التكتلات الاقتصادية في الدولة حيث انها تأخذ صفة القطاع الخاص كونها مملوكة لافراد مساهمين، وتأخذ صفة القطاع العام كونها ممولة من اسهم مطروحة لعامة الجمهور، فهي مجموعة من الأشخاص (أعضاء مجلس الادارة والمديرين) مستأمنين على أموال الغير، وعند فرض ضريبة الدخل على تلك الشركات يتم قانوناً خصم المكافآت والتي تصل الى نسب عالية من الأرباح وبعدها تخصم الضرائب وهذا يعد من اكبر التهربات الضريبية ضرراً في الاقتصاد وفِي مفهوم الضريبة، وللإشارة هنا ان المكافآت لا تحتسب عليها ضريبة دخل على الأفراد ليس بالنسبة لضريبة الشركات ولا ضريبة الدخل الفردية. في العموم ان الضريبة بشكلها الصحيح العادل هي عمل اخلاقي ووطني ولكن سوء تطبيقها هو ما اكسبها سمعتها السيئة وان اكبر أسباب سوء التطبيق للضريبة هو عدم وجود أنظمة تكاملية استراتيجية للضريبة، فلابد ان تتكامل أنظمة الضريبة مع قوانين الاستثمار الداخلي والخارجي ومع التنمية الإدارية ومع موازنة الحكومة ومع النمو السكاني ومع العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية ومع مخرجات التعليم، لكي يكون النظام الضريبي وليد الحالة الشمولية التكاملية للدولة، وتصبح الضريبة مطعوم يبني المناعة من التقلبات ولا يسبب الشلل، وإلى موعد تحية ولقاء.