ثروات الأجيال الخليجية القادمة

لطالما تخوفت الدول الغربية الغنية قبل الأزمة المالية العالمية من توسع أنشطة الصناديق السيادية خاصة الصناديق الخليجية والصينية ببلادها، والتي كانت بمثابة عمالقة المشهد المالي العالمي، وسيطرت أخبارها على عناوين وسائل الإعلام المختلفة في ظل تنوع أنشطتها وممتلكاتها وأصولها ما بين استثمارات مباشرة وعقارات وأوراق مالية وحصص شركات سواءً مدرجة أو غير مدرجة ببورصات هذه الدول المتقدمة. ولتهدئة مخاوف هذه الدول الغربية من أي عواقب سياسية محتملة لأنشطة هذه الصناديق فقد اجتمع صندوق النقد الدولي في بداية عام 2008 مع مسؤولي أكبر 25 صندوقا سياديا «40% منها صناديق خليجية» لوضع ما سمى بـ«مبادئ سنتياجو» بهدف تعزيز الشفافة والحد من مخاطر الاستثمار وضمان تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقرار المالي العالمي. ولكن سرعان ما تغيرت مواقف هذه الدول الغربية في أعقاب الأزمة المالية العالمية حين أصبح رأس المال الاستثماري أكثر ندرة، وزاد التنافس الدولي على أموال واستثمارات صناديق الثروات السيادية، وبعد أن كانت مصدرًا لقلق الدول الكبرى الغنية زاد الترحيب بها من خلال تقديم المزيد من الحوافز المالية لتشجيع استثماراتها في أوروبا وأمريكا، وتكررت زيارات وزراء اقتصاد ومالية هذه الدول الغربية لدول مجلس التعاون لحث مسؤوليها على زيادة استثمار صناديقها السيادية بشركات ومؤسسات بلادهم لإنقاذها من الإفلاس. وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية قامت الصناديق السيادية والحكومات الخليجية بتغيير إستراتيجيتها الاستثمارية وتخلت «بقدر كبير» عن المساعي الرامية لتقسيم ممتلكاتها إلى محافظ استثمارية صغيرة متعددة والاهتمام بتكوين كيانات أكبر وأضخم، فقامت إمارة أبو ظبي بدمج شركتي الاستثمارات النفطية الدولية ومبادلة للتنمية، وأعلنت المملكة العربية السعودية عن زيادة رأسمال صندوق استثماراتها العامة لتصل قيمته إلى نحو تريليوني دولار أمريكي وفق إستراتيجيتها للتنمية لعام 2030. وفي ظل تغيير الصناديق السيادية الخليجية لإستراتيجيتها الاستثمارية فقد بدأت هذه الصناديق في تخصيص جانبًا متعاظمًا من استثماراتها بالبورصات وأسواق المال المحلية في ضوء تطور هذه الأسواق وتحسين مستوى شفافية عمليات الخصخصة على المستوى المحلي، وهو الأمر الذي أكده أحدث تقارير شركة «جافرن» من الاهتمام المتزايد لهذه الصناديق بالاستثمار بالبورصات العربية وامتلاكها لأكثر من 40% من إجمالي القيمة السوقية لأسهم البورصات العربية الكبرى، وضرب التقرير مثالًا لذلك بالمملكة العربية السعودية التي تعد بمثابة مساهم أغلبية في 34 شركة من أكبر 100 شركة مدرجة بالبورصات العربية. إلا أن الأمر الأكثر اهتماما وجدية قد تمثل في تركيز الصناديق السيادية الخليجية على أداء وحوكمة الشركات التي تمتلكها كلية أو تمتلك نسب مرتفعة من أسهمها وذلك لضمان تجنب أي مخاطر مالية محتملة، بما يفرض عليها تحمل مسؤوليات أكبر تجاه استثماراتها، وهو أمر لم يتم مناقشته بالتفصيل في «مبادئ سنتياجو» التي اهتمت بالتركيز فقط على عنصر الشفافية، وهو ما دفع مديري هذه الصناديق الخليجية أن يضعوا في اعتبارهم هدفا أساسيا وأصيلا يتمثل في كيفية حماية ثروات البلاد والحفاظ عليها وإدارتها برشادة وكفاءة لصالح الأجيال القادمة وضمان حقوقها.