السمة الأساسية للرأسمالية هي في الدافع لتحقيق الربح، حيث يقول آدم سميث - عالم اقتصاد أسكتلندي يعتبر مؤسس علم الاقتصاد الكلاسيكي ومن رواد الاقتصاد السياسيي: إننا لا نحصل على طعامنا من الخباز أو الجزار لنزعة الخير عندهما، ولكن لأنهما يريدان تحقيق مصالحهما الخاصة، وبالتالي فالربح هو المعيار الذي يقيس به الاقتصاديون الرأسماليون إنجازهم النهائي لمصالحهم حيث يمثل القوة والنجاح، وهو نفسه الذي دفع الشركات الأمريكية للهجرة إلى أسواق الصين والمكسيك، لاستغلال انخفاض كلفة العمالة لتحقيق أرباح أكبر مما كانت ستجنيها في الولايات المتحدة. لكن الرئيس ترامب وخلال حملته الانتخابية التي خاطب فيها البسطاء من الأمريكيين، ومن العاطلين عن العمل، ومن أصحاب الدخول المنخفضة، شن ما يشبه الحرب على المستثمرين خارج أمريكا - متناسيا نفسه - باعتبارهم لا يتحلون بالوطنية، وبأنهم باعوا العمال الأمريكيين لصالح العمال الصينيين، مما أدى الى تراجع الاقتصاد والإيرادات الأمريكية، ومن ثم زاد عجز الموازنة، الأمر الذي فاقم المديونية الأمريكية، ودفع نحو ارتفاع الضرائب على الشركات. قد تكون هذه الاتهامات صحيحة لو أن الهجرة التجارية الأمريكية تمت خارج منطق وثقافة اقتصاد السوق والعولمة والتجارة بلا حدود وانتقال رؤوس الأموال من بلد لآخر طلبا للربح، وهي جميعها في صلب النموذج الاقتصادي الأمريكي نفسه الذي بشرتنا به الولايات المتحدة، بل وفرضته على العالم لاستيعاب تمددها الإمبراطوري العسكري والتجاري والمالي، وبالتالي فما قامت به شركاتها من بناء قواعد استثمارية خارجية إنما جاء تعبيرا عن مصالحها الاقتصادية، وتأكيدا لهيمنتها السوقية العالمية، تماما كما بنت قواعدها العسكرية الخارجية لتأكيد هيمنتها الإمبراطورية العالمية، ولحماية مصالحها الكونية بما فيها تجارتها الدولية. الرئيس ترامب يريد خلال رئاسته استثمار عودة الشركات من الخارج داخليا، واستثمار القواعد العسكرية خارجيا، لتحقيق ربح مضاعف للولايات المتحدة وحدها دون شركائها تجسيدا لما جاء في خطاب تنصيبه من «أن أمريكا فوق الجميع»، فالشركات العائدة ستعيد الاستثمارات للداخل الأمريكي، وتوظف العمالة الأمريكية، وتسوق منتجاتها للمستهلك الأمريكي كبديل عن المنتجات المستوردة من الصين وغيرها، والقواعد العسكرية المنتشرة في العالم ستقدم الحماية لمن يدفع مستحقات وتكاليف تلك الحماية، أي أنه يريد الربح من عودة الشركات، والتربح من القواعد العسكرية باعتبارها شركات أيضا تقدم خدمات أمنية. الإدارة الأمريكية الجديدة ورئيسها ليست وحدها من شن الاتهامات على الشركات والمستثمرين الأمريكيين في الخارج بل هناك أيضا رجال أعمال ومستثمرون في الداخل يؤمنون بتوجهاتها، ما ينبئ بحرب تجارية أمريكية أمريكية بين من يريد استغلال العولمة، ومن يريد استغلال الحمائية، وقد تتحول الشركات والاستثمارات العائدة بفعل التهديدات الترامبية، إلى لوبي من نوع جديد مضاد لترامب وإدارته على قاعدة أن سياساتها معادية لحرية التجارة والليبرالية الاقتصادية، والتي كانت بضاعة أمريكية تصدرها للعالم. فهل نشهد صراعا اقتصاديا أمريكيا أمريكيا يعيد للأذهان الماكارثية السياسية، التي وجهت الاتهامات بالتآمر والخيانة للمعارضين للإدارة الأمريكية وسياساتها الاقتصادية الليبرالية، على شكل ماكارثية اقتصادية ترامبية، تدخل الولايات المتحدة في دوامة الشك والوشاية بليبرالية المنافس التجاري، ويكون قوامها تنقية أمريكا من المهاجرين الغرباء، وإعادة المهاجرين الأصلاء، وتطهيرها من المعادين لقيم الحمائية الترامبية ومفاعيلها؟