وللفرح الغامر ضحاياه !

  عندما قرأت خبر وفاة الطفل عبد الحق هادي 14 عاماً متأثراً برصاصة مرتدة من سماء فرحة اليمنيين ببطولة غرب آسيا داهمتني أمنية لو أنني هبطت بالباراشوت على استاد مجمع السعادة في مدينة صلالة العمانية لأخطف صافرة الحكم البحريني وكرة مباراة نهائي البطولة بين منتخبي اليمن والسعودية وألوذ بالفرار بذات سرعة بطل العالم في 100متر.. * صحيح أن فوز المنتخب اليمني للناشئين على منتخب السعودية في نهائي النسخة العاشرة بعد أن كان فاز على السعودي في نهائي النسخة الثامنة في الدمام إنجاز مبهر يبعث الفرح، خاصة والكرة اليمنية تعاني في كل شيء عدا منتخب الناشئين، لكن تحوُّل كل فرح رياضي يمني إلى بيوت للعزاء في وفاة ضحايا الرصاص الراجع من سماء تشتعل بالأعيرة النارية هو أمر يدعو للبكاء في بيت الفرح. * اللافت أن إشعال السماء بإضاءات الرصاص الحارق جاء رغم أن الأجهزة الأمنية كانت حذرت من إطلاق الأعيرة النارية في حالة فوز المنتخب اليمني، ربما لأن المشجعين وقعوا في أسر ما يسمى بالعدوى الجماعية حيث ما أن يعبِّر شخص عن فرحته بشكل عنيف حتى يحاكيه آخرون فيحدث ما تكرر من وقوع إصابات مؤسفة. * وإذا كنا اعتدنا أثناء وعقب المباريات الساخنة سماع أخبار ضحايا التدافع في المدرجات كما حدث قبل فترة غير بعيدة في مباراة أندونيسية انتهت بوفاة 174 مشجعاً وإصابة المئات بجروح وإعاقات فإن الأمر الذي يصعب فهمه على الإطلاق هو تعبير البعض عن ابتهاجه بإطلاق الأعيرة النارية الكثيفة في الهواء فيكون للرصاص ارتداداته القاتلة على المارة والمتابعين من أسطح المنازل. * ولا يوازي حماقة إطلاق الرصاص الحي تعبيراً عن الفرح بفوز منتخب أو ناد رياضي إلاّ انطلاق فرحين بفوز فريقهم المفضل في الشوارع بسرعة مفرطة.. ولعلنا نتذكر ما كان يسمى بالتخميس في دول الخليج قبل أن تعتدل الأمور بفعل ضبط الحركة المرورية بعدسات التصوير التي ترصد كل واردة وشاردة، وتحولها إلى رقم مالي عقابي يتلقاه المخالف على هاتفه مباشرة. * لقد صرنا نسمع من يقول وهو يسمع خبر فوز فريق: لا نريد أي فوز رياضي مهما كانت أهميته إذا كانت فاتورته هي إزهاق أرواح وظهور جرحى على خلفية فرح نتذكَّر معها الدب الذي قتل صاحبه بحجر ضخم ليطرد ذبابة وقفت على رأسه.. * وكما يؤكد الفيفا على عدم جواز استخدام النيران والغازات المسيلة للدموع للتحكم في خروج الجماهير على نص الحركة الآمنة في الملاعب كما حدث عقب نزول عشرات الآلاف إلى ملعب أندونيسي تبرز الحاجة لصدور تشريعات رادعة وصارمة في بلدان عربية التي ما يزال الجمهور فيها يعبر عن فرحته بفوز أو عرس أو نجاح علمي بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء. * ودونما حاجة لرصد أو أبحاث صار في مظاهر التعبير عن الفرح بنتيجة أو خسارة ما يفرض جاهزية أقسام الطوارئ في المستشفيات، ورفع مستوى التوعية بخطورة إطلاق الرصاص الحي، ولا بأس من التذكير بأن للسعادة الصارخة المفرطة إجهادها على الجسم وكهرباء القلب وتدفق الدم السريع، ما يعني أن فوز فريقك المفضل في منافسات قطعة الجلد المنفوخة بالهواء ليس سبباً محترماً لإزهاق أرواح وزيادة الإقبال على أقسام الطوارئ كما جاء في دراسة سويسرية أكدت بأن للفرح ضحاياه. * وبحسبة الدين والشرع يكفي من يصل بانفعالاته درجة إقلاق السكينة العامة أو التسبب في قتل الغير تعبيراً عن فرحته بفوز فريق رياضي أن يتذكر قول رسولنا الأعظم: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها وإن كان أخاه لأبيه وأمه..!"