ميراث سعيد

عندما بويع أبو جعفر المنصور على الخلافة دخل عليه المجلس واعظ فاستبق هو الكلام وقال له: عظنا يا مقاتل، وكان هذا اسم الواعظ، فرد عليه: أعظك بما رأيت، ثم قال: يا أمير المؤمنين مات الخليفة عمر بن عبدالعزيز وقد ترك أحد عشر ولدا وخلف ثمانية عشر دينارا، كُفن منها بخمسة واشتري له قبر بأربعة ووزع الباقي على ورثته، ومات الخليفة هشام ابن عبد الملك فكان نصيب إحدى زوجاته الأربع ثمانين ألف دينار غير القلاع والقصور، والزوجات الأربع لهن الثمن، فلك أن تعرف نقد التركة غير القصور والضياع. ثم أقسم الواعظ قائلا إنه رأى في يوم أحد ولد عمر بن عبدالعزيز يحمل على مائة فرس في سبيل الله، وولداً من ولد هشام بن عبدالملك يسأل الناس في الطريق. والشاهد عندي أنه ليس من ورث اغتنى وليس من منع افتقر ولكن هو الله يقسم لمن يشاء بما يشاء بميزان التقوى ومكيال العدل الإلهي، فاليوم سألني أحدهم ما الذي ستورثه لأبنائك؟ فقلت له فوراً: الأثر الطيب والسمعة الحسنة وبعدها لا يضر إن وجد من مال الدنيا قليل أو كثير، ولنا في عمر بن عبدالعزيز وهشام بن عبدالملك، رحمهما الله، عظة وموعظة، فاعمل طيباً واترك أثره واضحاً يكن لك أجراً ولولدك إرثاً وللناس منفعة وبعد الموت صدقة. وفي نفس السياق تجد الخوف من المستقبل ومصير الأبناء وخاتمة الحياة هو ما يقتل الأحلام والإبداع والمبادرة، والخوف هو نفسه من يفسد حتى متعة النجاح خوفاً من زوالها ويفسد متعة الأبناء خوفاً وقلقا من مستقبلهم، وكأن من خلق هذا الكون بمئات الملايين من المجرات والكواكب سيترك أي صغيرة أو كبيرة بغير تدبير ولا حساب. إنني لا أدعي أن هذا الكون هو مكان عادل، ولا أعتقد أن من سيسير على الدرب لا محالة سيصل، ولا حتى ان لكل مظلوم يوما لينتصر ولكن أنا أؤمن بأن الأخذ بالأسباب يعزز النتائج، والجهد الموجه الصحيح يقرب فرص النجاح ولكن على أساس واحد وهو أن الشيء الوحيد المؤكد في هذه الحياة هو حالة عدم التأكد، وبما أننا غير قادرين على التأكد من أي شيء بالقطع، فلا داعي أن نقلق من النتائج، وكما يقال ليس على المرء إدراك النجاح ولكن عليه أن يعمل جهده، وإلى أن نلتقي تحية وإلى لقاء.