السودان بأجنحة بيضاء

في السياسة لا يوجد انتصار مطلق والخسارة قد تكون مكسبا منقوصا، يحاول السودان الان وهو في حالة شد بين قوى إقليمية ودولية ومصالح تاريخية وتفاهمات استراتيجية ومطالب داخلية ان يحلق بأجنحة بيضاء ويقفز فوق كل ذلك، وعند ذكر السودان هنا اعني الضمير الجمعي للشعب المتوازن فكرياً والمؤمن بالدولة الوطن التي تحتضن ابناءها سياسياً، فكريا، اقتصاديا وكذلك اجتماعياً، فهذا هو المفهوم الأولي للوطن، كما ان هذا التحليق والحلم ليس سهلاً بالمقدار الذي هو حق مشروع وطرح قابل للتنفيذ ولكن، ان الأخذ بعين الاعتبار تجارب الآخرين وخصوصاً في المنطقة العربية، يحتم المرور بالعملية السياسية الاقتصادية بشكلها الكامل ودورة حياتها الطبيعية دون تسريع او تجاهل، وهذا يتطلب عدة مراحل تبدأ من صياغة الاتفاقات بين الفرقاء بنزاهة وموضوعية بحيث تضمن تحقيق مصالح اكبر عدد من الشرائح، كذلك لابد من البدايات الاتفاق على جداول زمنية محددة مع هامش حركة معقول لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، مع ضمان علاقات خارجية متوازنة غير نشطة في المراحل الاولى حتى تستقر الأمور، لقد مرت الدول التي شهدت تغيرات سياسية جذرية في الوقت السابق بأعراض جانبية شديدة وصلت أحياناً الى أضرار كبيرة ألغت معها مكتسبات التغيير مما قاد في بعض الأحيان الى الشعور بالإحباط لدى الشعوب، وقد كان السبب الأساسي وراء هذه الآثار الجانبية السلبية هو محاولة محاربة الفساد او اشكاله او مظاهره او ما اعتقد انه كذلك بشكل فوري وجذري وكامل مما خلق حالة من التحصن والتكاتف عند هذه الفئة والتي هي قوية بطبيعة الحال ولديها دائما خطط احتياطية وعلاقات دولية ونفوذ داخلي، وبالتالي تستطيع ان تشكل عائقا حقيقيا ومؤثرا في عملية التغيير بل وقد تستطيع إفشالها، والخيارات المطروحة لتفادي ما وقع به الآخرون هو ترويض الفساد والتعامل معه بدل من قتله خصوصا في البدايات والتعامل مع اشكاله (الفساد) بالتجميد الجزئي مع تنامي قوة دولة القانون والمؤسسات الى ان يصل الفساد الى مرحلة البكتيريا النافعة أي انه موجود بمكوناته غير فعال في اثره السلبي حتى ينتهي، اخيراً ان السودان ليس فقط سلة غذاء العرب لما لديه من موارد طبيعية صخمة وإنما يمثل الجزء الأكبر من سلة عقول الأمة المتميزة، لذلك وجب دعمه اللامتناهي حتى يكون سند الامة الحقيقي ويحلق بأجنحته البيضاء الى فضاء النماء والتميز.