رغم المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الحد الأدنى لسن العمل، وعلى اتفاقية حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال، ووجود اتفاقية عربية تتحدث عن ضرورة عدم تعارض عمل الأطفال مع التعليم الإلزامي (هذه الاتفاقية بحاجة للمراجعة لأنها لا تمانع في طياتها عمل الأطفال)، إلا أن عملهم بازدياد، ما يقدم الدليل على فشل سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويظهر الإمعان بتكريس النموذج المشوه للتحرير الاقتصادي، بإبقائه أكثرية رازحة تحت رحمة ما يسمى هيكلة الاقتصاد والذي من تجلياته عمالة الأطفال. هذه العمالة التي تتعمق مع التهميش المضاعف الذي يعيشونه كأبناء أسر فقيرة أولا، وكأطفال محرومين ثانيا، مع تعذر حصولهم على نصيبهم الفعلي من الناتج المحلي الإجمالي المنخفض أصلا بسبب تراجع معدلات النمو الاقتصادي ثالثا، وارتفاع نسب الفقر رابعا، وزيادة النزوح السكاني الإجباري هربا من الحروب الأهلية، أو من الريف الذي يتم تدميره لصالح مدن الصفيح خامسا، والنتيجة أن الأطفال هم من يدفعون الثمن. وتتفاقم حالة هؤلاء الأطفال مع اعتبار التحاقهم بالمدارس مضيعة للوقت، وأنها تشكل خسارة مزدوجة لأسرهم تتمثل برسوم الدراسة والملابس والكتب والقرطاسية والطعام، والدخل الضائع المفترض تحصيله من تشغيلهم، وفي أحسن الأحوال فقد يتأجل تسرب بعضهم من المدارس إلى ما بعد المرحلة المتوسطة (أول 9 سنوات من التعليم)، أي بعد إكمال ما تعتبر وكأنها سنوات الدراسة الجامعية بالنسبة لهم. ويبدو أنه كلما زادت بطالة الكبار زادت عمالة الأطفال، فمع وجود 22 مليون عاطل عربي عن العمل لعدم وجود فرص في الاقتصاد الرسمي، تزدهر عمالة الأطفال بوجود 11 مليون طفل يعملون في الاقتصاد غير الرسمي، لكن في ظروف تقترب من وصفها بالعبودية - تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى وجود 5 ملايين طفلٍ في ظروفٍ شبيهة بالعبودية - كل ذلك تحت سمع وبصر السلطات الرسمية المتهربة من القيام بواجبها في إيجاد الوظائف الشرعية لطالبي العمل من جهة، أو بغضها الطرف عن عمالة الأطفال بما يشبه التواطؤ كمخرج يعفيها من تحمل مسؤولية البحث عن حلول لتحسين ظروف أسر هؤلاء الأطفال من جهة ثانية. وهنا فالحل بالنسبة للحكومات الوعظ والإرشاد، مع عدم نسيان التذكير بتوقيعها على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة كتعبير عن حرصها على هذه الفئة، وهي وسيلة ثبت أن لا قيمة أو نتائج إيجابية لها، بل إن نتائجها عكسية - بينت دراسة للبنك الدولي نشرت مؤخرا أن عدد الأطفال العاملين في الأردن يقدر بحوالي 76 ألف طفل منهم 14.6% من السوريين، فيما كانت دراسة سابقة بينت أن عدد الأطفال العاملين يتراوح بين (36 إلى 40) ألف طفل، أي أن العدد قد زاد بين دراستين فقط بأكثر من الضعف - لأن الأطفال وأسرهم خارج نطاق التغطية الحكومية بالأصل، ولأن هذا الشكل من الخطابات لم يعد أكثر من علاقات عامة فقط، وهي تكرر نفسها منذ عقود، وهدفها إخلاء طرف الحكومات من أي اتهامات بالتقصير في مواجهة هذه المشكلة.