القاضي والطبيب يقتلان بلا حساب

لطالما سعى البشر من الأزل لوضع الأنظمة والقوانين لتنظيم حياتهم، وللقيام بذلك كان دائما يتوجب أن يتم إيداع السلطة في يد أشخاص محددين ذوي مميزات خاصة وكفاءات خاصة، حيث إن الخطأ يكون مقبولا ومبررا عند أشخاص محددين ونفس الفعل يكون مجرما إذا قام به شخص آخر، وهنا تحديدا أود الإشارة والتأكيد على فكرة شرعنة السلوك الخاطئ بالمعيار العام، وللمثال لا للحصر فإن خطأ الطبيب الذي يؤدي إلى الموت أو إلى الإصابة الدائمة لدى المريض يتم إيجاد العديد من المبررات له، وكذلك خطأ القاضي إذا ما حكم خطأ على متهم وبعد إعدامه أو إمضائه فترة العقوبة واكتشاف خطأ القاضي فإنه لا يعاقب بمقدار ما تسبب به من أذى للمتهم الذي وقع عليه فعل الظلم. وعلى ذلك يمكن قياس العديد من الأخطاء المبررة بحكم إيداع السلطة، فالمدرس صاحب سلطة التعليم والمهندس صاحب سلطة الإنشاء والطاهي صاحب سلطة إعداد الطعام، وكل في مكانه لديه سلطة بشكل أو بآخر، والجميع يخطئ ولكن الفرق هو في أثر وامتداد وحجم الخطأ على المجتمع من شخص إلى آخر. إنني لا أبرر لأحد الخطأ ولا أشرع لمنصب الزلل ولكن أؤمن بأن الضمير المفرد لدى الأشخاص النابع من الضمير الجمعي للمجتمع والذي اتفق عليه الجميع وأقره القانون وتماشى مع العرف والعقيدة الفطرية غير الموجهة، ذلك هو الضمير الحقيقي وهو الضامن الأول وخط الدفاع الأساسي الذي يمنع الخطأ ويحجم الاستغلال السيئ للسلطة ويلغي مبررات الانحراف. إننا لا شك نحتاج إلى توزيع السلطات فيما بيننا وتنويع التخصصات من أجل التكامل ورسم الهياكل التنظيمية الاجتماعية قبل الإدارية، وللقيام بذلك نحتاج قطعاً إلى إيجاد معايير سليمة مهنية لتقييم القدرات وتوزيع المهام على أساس الكفاءة والقدرة والخبرة والمعرفة، عندها تقل الأخطاء وتنحسر السلوكيات المقصودة السلبية، وفي المتابعة لتطبيق ذلك لابد من تثبيت النظام المحاسبي القضائي بشكل معياري مهني بعيداً عن الشخصنة وبعيداً عن التفردية في القرار، بل أن يكون النظام المحاسبي معتمدا على أسس واضحة ومعايير مهنية محددة تضمن إيقاع العقوبة المناسبة لكل خطأ بما يحقق مبدأ الردع ورد الحقوق. أخيراً إنني لا أجد عذراً ولا بابا للرحمة لمن أخطأ في حق الآخرين تحت باب الجهل أو التعب أو الاستهانة أو سوء استخدام السلطة أو عدم المقدرة، فهؤلاء من سيوفقهم الله فإنهم مسؤولون، فما السلطة إلا قوة فوَّضَك فيها المجتمع لتكون له عونا على بنائه.