الخليج والصين.. شراكة إستراتيجية

تشهد علاقات دول مجلس التعاون الخليجي والصين تطورات مستجدة وتنمو بصورة مضطردة وسريعة نحو استكمال أبعادها الإستراتيجية على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، مما سيجد له انعكاسات على المستويين الإقليمي والدولي، وبالأخص بعد سلسلة من الزيارات المتبادلة بين الجانبين. ضمن هذه المستجدات المهمة تأتي مساعي كل من دول المجلس والصين للإسراع في توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين الطرفين، مما سيزيل الرسوم الجمركية على واردات الطرفين من المنتجات الوطنية ويشرع الأبواب واسعة لزيادة التبادل التجاري بين الجانبين والذي تضاعف ثلاث مرات في غضون سنوات العقد الماضي، ليصل إلى أكثر من 100 مليار دولار في عام 2014، مقابل 25 مليار دولار فقط في عام 2004 والذي شهد بداية المفاوضات بين الجانبين الخليجي والصيني لإقامة منطقة للتجارة الحرة، إلا أن هذه المفاوضات تباطأت بسبب الأزمة المالية العالمية ليعاد استئنافها قبل سنوات قليلة، حيث قرر الجانبان التوصل إلى اتفاقية شاملة لتحرير التجارة بينهما في العام الجاري 2016. لقد تحولت الصين خلال السنوات الماضية إلى أهم شريك تجاري لدول المجلس إلى جانب الهند، مما يعني أن تحرير التجارة مع القارة الآسيوية سينعكس إيجابيا على الاقتصادات الخليجية لأسباب عديدة، خصوصا أن هذه البلدان لا تمزج بين الاقتصاد والسياسة، كما هو حال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي ما زال يماطل منذ ربع قرن في توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بحجج واهية ذات طابع سياسي، مما أدى إلى تراجع نسبي كبير في علاقاته التجارية مع دول المجلس. الاتفاقية التجارية الجديدة مع الصين والمتوقع الوصول إلى صيغتها النهائية في الأشهر القليلة القادمة لن تقتصر على الجانب التجاري فحسب، وإنما ستشمل جوانب أخرى لا تقل أهمية، بما فيها زيادة الاستثمارات والنقل والسياحة والصناعة والتقنيات الحديثة. وإذا ما أخذنا التعاون في الصناعة النفطية، فإن أحد تقارير وكالة الطاقة الدولية يشير إلى أن إجمالي الطلب على النفط في الصين سوف يرتفع إلى 14.2 مليون برميل، مما سيحولها إلى أكبر مستورد للنفط في العالم، حيث ستساهم الاتفاقية الجديدة في زيادة صادرات دول المجلس من النفط ومشتقاته إلى السوق الصينية. وفي الوقت الذي نقلت فيه أوروبا الكثير من صناعتها إلى الصين للاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي يمكنها أن تقيم العشرات من الصناعات النفطية والبتروكيماوية، بما فيها صناعات تكرير النفط في الصين للاستحواذ على النسبة الأكبر من الطلب على هذه المنتجات ولرفع القدرة التنافسية لمنتجاتها الناجمة عن انخفاض تكاليف الإنتاج لزيادة صادراتها للأسواق الدولية، خصوصا أن دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية والكويت وقطر بدأت منذ سنوات تكثيف استثماراتها في آسيا، وبالأخص الصين، إلا أن اتفاقية التجارة الحرة الجديدة ستعطي زخما جديدا لتنشيط هذه الاستثمارات وتنميتها. في المقابل طورت الصين كثيرا من إنتاجها من التقنيات الحديثة، بما في ذلك منتجاتها من الألواح المنتجة للطاقة الشمسية، مما أدى إلى نزوح المصانع الألمانية العاملة في هذا المجال إلى الصين بسبب رخص الأيدي العاملة لتتحول الصين إلى أحد أهم منتجي هذه الألواح، في الوقت الذي تتجه فيه بعض دول المجلس إلى توطين هذه التقنيات لخدمة أهدافها الإستراتيجية الرامية إلى تطوير مصادر الطاقة البديلة، وبالأخص الطاقة الشمسية، مما يعكس الأهمية البالغة التي ستضيفها الاتفاقية الجديدة للتعاون الخليجي الصيني.