أيام قليلة تفصلنا عن عرس كروي كبير، تحتضنه ربوع الدوحة لتطلق الصوت وتقول "كأس العرب، لكل العرب"، أيام قليلة تفصلنا عن لقاء الأخوة في بطولة طال انتظارها منذ سنوات، لتكون ولو رمزياً مثالاً حياً لأمة عربية تجتمع وتقول نعم نحن العرب سنبقى معا يداً بيد على قلب رجل واحد، وها نحن نجتمع لنقول بصوت واحد "دوحة قطر" كانت وستبقى دوماً جامعة الأحبّة وحاضنة الأشِّقاء. في البداية فإن فكرة إنشاء بطولة للمنتخبات العربية انطلقت من لبنان، حيث أقيمت أول دورة كرة قدم للمنتخبات العربية في عام 1963 في بيروت، وشاركت بها حين ذاك خمسة منتخبات لتكون تونس هي صاحب المركز الأول في تلك البطولة، وما بين بيروت 1963 والدوحة 2021 تم تنظيم ثماني بطولات أخرى لتأتي بطولة العرب 2021 وهي البطولة العاشرة بعد انقطاع دام تسع سنوات منذ عام 2012 حين تم تنظيم البطولة التاسعة لتُقام في ربوع المملكة العربية السعودية. وبالحديث عن أكثر المنتخبات فوزاً بالبطولة فهو منتخب العراق وهو المنتخب الذي فاز بهذه الكأس أربع مرات متتالية، في حين فاز منتخب السعودية مرتين متتاليتين أيضا، وفاز كل من منتخب تونس ومصر والمغرب بهذه البطولة مرة واحدة فقط. وبالحديث عن دور هذه البطولة وغيرها من البطولات الرياضية وأهمية العمل والنشاطات الرياضية في بناء وتعزيز اقتصاد الدول فإنه يمكن تلخيص أهم النقاط بما يلي: نظرا للمكانة المهمة التي باتت الرياضة تُمثِلها في حياة المجتمعات اليومية، فقد ازداد الطلب عليها بشكل عام وهو ما ساهم في خلق وظائف وفرص استثمارية كثيرة لتلبية هذه الحاجات، كذلك فإن كثرة المتابعين والمشجعين لهذه الرياضات خلقت منصة مثالية لعالم التسويق والإعلان، وهو ما جعل كثيراً من الشركات تتّخذ من الملاعب والصالات الرياضية مركزاً مهماً لإعلاناتها، وبالانتقال إلى النقطة الأهم فإن تشجيع الناس على القيام بالرياضات يستلزم متطلبات وحاجات مختلفة، تبدأ من الزي الرياضي ولا تقف عند الأجهزة والمعدات أو حتى الملاعب، وهنا تجدر الإشارة إلى إحدى الدراسات التي تم نشرها سابقا حول الاقتصاد الرياضي في فرنسا حيث خلُصت هذه الدراسة إلى أن حوالي 30% من الشعب الفرنسي يمارس نشاطاً رياضياً، وبالتالي فانهم يصرفون على هذه الأنشطة ما يقارب من الـ 6.5% من دخلهم حيث يتوجه 90% من هذا المصروف إلى شراء الملابس والأجهزة الخفيفة أو الخدمات الأخرى مثل شراء الصحف أو التذاكر لحضور المباريات. ومن ناحية أخرى فان الخدمات الإعلامية وحقوق بث الأحداث والفعاليات شكلت أيضا حافزاً مهماً للاقتصاد فها هي القنوات الرياضية المُتخصصة تنمو وتكبر لتضاهي أكبر وأهم الشبكات الإخبارية في العالم، وأخيرا لابد من الإشارة إلى الدور الكبير والمهم الذي تلعبه الرياضات جميعها في بناء مجتمع يتمتع بصحة سليمة، وهو ما يُوفّر تكاليف صحية كبيرة في كثير من الأحوال، ناهيك عن دور الرياضة المهم والمميز في خلق حالة من التقارب والمحبة بين المجتمعات والشعوب وهو ما يتطور لاحقاً لعلاقات إنسانية وتجارية ناجحة، ولنا في نادي" باريس سان جيرمان" الامتياز الرياضي الأسرع نمواً بالعالم وهو الذي يتابعه أكثر من "100 مليون" متابع على وسائل التواصل الاجتماعي خير دليل على ذلك، حيث حقق النادي اكثر من 182.2 مليون يورو لاقتصاد المنطقة التي يعمل بها على مدار موسم 2018- 2019، ناهيك عن حضور 100 ألف مُشجّع اجنبي إلى فرنسا خلال نفس الموسم إضافة إلى مساعدة النادي في الحفاظ على 2150 وظيفة بدوام كامل وذلك وفقا لدراسة أجراها الاقتصاديون في "CDES "سي دي أي اس". هذا ولأن بطولة العرب هي مطلب شعبي ورياضي مهم لكثير من محبي الرياضات فإنني أضم صوتي لهم وأتمنى أن تكون هذه البطولة هي النواة لمنتخب كرة قدم عربي مُوحّد يقف فيه "محمد صلاح" إلى جانب "رياض محرز" و"أشرف حكيمي" ومعهم "سالم الدوسري" و"حكيم زياش" و"أكرم عفيف" وغيرهم من لاعبي كل العرب، لنعرف ولو لمرة واحدة إجابة السؤال المهم: ماذا لو اتّحد العرب؟. وأخيرا وبرأيي الشخصي فإن دولة قطر وبالمجهود الكبير الذي بذلته لإعادة إحياء هذه البطولة، فإنها وعبر هذه البطولة قد ساهمت أيضا بدور كبير في خلق حالة من الوحدة الرياضية والإنسانية، آملين أن تكون هذه البطولة وعبر الرياضة هي الشرارة والبداية الحقيقية لمعرفة مدى القدرات والإبداعات التي يملكها شبابنا العربي في مختلف المجالات، علّ وعسى أن ترسم طريق الدوحة وبطولة العرب 2021 أول ملامح وحدة عربية لطالما حلمنا بها وتعلمناها في مدارسنا، وحدة عربية توارثناها جيلا بعد جيل، وكلنا إيمان بأن ما نملكه من مُقدَّرات يفوق بكثير ما نحتاجه من الآخرين، وحدة عربية تجعل من شبابنا مُبدعين في بلادهم زواراً ومعلّمين في بلاد الغرب وليس ضيوفا في أوطانهم يحلمون بفيزا وتأشيرة باتجاه الغرب بحثا عن العلم والإبداع. وهنا أستذكر قصيدة الشاعر الفلسطيني الجميل "إبراهيم طوقان" حين قال في قصيدته الشهيرة "موطني" وبنغمتها التي ما زلت أذكرها وأُرددها " موطني.. موطني.. الجـلال والجـمال والســناء والبهاء في رُباك... في رُباك..... موطني.. موطني.. الحُسام واليـراع لا الكـلام والنِزاع.. رمزُنا.. رمزُنا.... مـجدُنا وعـهدُنا واجـب من الوفا.. يهزُنا.. يهزُنا".