يعني الاقتصاد السلوكي التحول النسبي في السياسة العامة بما يشجع المستثمرين والأفراد العاديين على اتخاذ القرارات التي تكون في مصلحتهم الشخصية، وأن نقاط الضعف الإنساني يمكن أن تؤثر على الأسواق وخاصة المالية منها، مع التأكيد على أن عدم تطبيق البعض لقواعد الاقتصاد السلوكي لا يعنى معاقبتهم على تصرفهم، وإنما يعنى التطبيق تسهيل مهمتهم في اتخاذ قرارات أكثر فاعلية وإيجابية. وهو الأمر الذي أكد عليه «ريتشارد ثالر» الحائز هذا العام على جائزة «نوبل» في الاقتصاد، والذي عرض أفكاره حول أسس الاقتصاد السلوكي في أحد أهم الكتب الأكثر انتشارا في أمريكا والعالم بمشاركة العالم الاقتصادي «كاس سونشتاين» بعنوان «نودج» أي المبادرات أو الحث على اتخاذ قرار معين، وطرحا فيه مفاهيم الاقتصاد السلوكي لمعالجة العديد من مشكلات المجتمع، وأوضحا أنه من خلال معرفة طريقة تفكير الناس يمكن إرشادهم والتسهيل عليهم في اختيار ما هو أفضل لهم ولأسرهم ومجتمعهم. هذا وقد طور ريتشارد ثالر فكرة «ادخر أكثر غدا» والتي تعتمد على سؤال جموع العاملين عن رغبتهم في إمكانية الموافقة على ادخار بعض الزيادات المستقبلية من أجورهم، معتمدين في ذلك على أن النسبة الغالبة من الأفراد لا يفضلون خصم أي استقطاعات إضافية حالية طواعيةً، حتى لو كان فيها مكاسب مستقبلية.. لذا فقد ركز «ثالر» على التأثير المحتمل للتسجيل التلقائي ببرامج المعاشات وهي النظرية التي اقتضى بها الكثير من أرباب الأعمال حول العالم وكذا الحكومات ومن بينها الحكومة البريطانية التي بدأت تطبيقها بالفعل، وهي الفكرة التي تضمن لعمال وموظفي اليوم مزايا تقاعدية أكثر وأفضل في الغد. ويرى العديد من خبراء علم الاقتصاد السلوكي أن المخاطر السلوكية التي يمكن أن تواجه العديد من المستثمرين عند اتخاذهم لقراراتهم الاستثمارية تتمثل في الثقة المفرطة، والاعتياد، والارتكاز.. فمع تحقيق المستثمر لبعض المكاسب السهلة تتحول ثقته بنفسه إلى ثقة مفرطة، ويبدأ بالتباهي بحسن أدائه الاستثماري ومن هنا يكون عليه تعلم كيف يكبح جماح نفسه ويتحكم في عواطفه.. بالإضافة إلى تركيز المستثمر على الفرص الاستثمارية في بلده والتي يكون على دراية جيدة بها، وعدم تفضيله لتنوع استثماراته في دول أخرى رغم ما يمكن أن تتمتع به من مزايا أفضل.. وكذا حين يعتمد المستثمر على مجموعة من المعلومات القديمة وغير المحدثة مما يجعل قراراته غير كفؤة ويعرضه بالتالي لمخاطر وخسائر جمة. لذا فقد تساعد نظرية «المبادرات» التي وضعها الاقتصادي المرموق «ثالر» في معالجة التحديات الهامة التي تواجه العالم كالتعليم والفساد والفقر والبطالة، وهو الأمر الذي دفع الكثير من الحكومات حول العالم للاستعانة بقيادات مدرسة الاقتصاد السلوكي، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما» والذي قام بتعيين الاقتصادي «كاس سونشتاين» الذي شارك ثالر في تأليف كتاب «المبادرات» مستشاراً له لحث الحكومة الأمريكية على تبني مجموعة من مفاهيم الاقتصاد السلوكي، كما كونت المملكة المتحدة فريقاً للنظريات السلوكية وأطلقت عليه اسم «وحدة الاقتصاد السلوكي» بهدف تطوير سياساتها، كما اهتمت كذلك حكومات كندا وأستراليا والدانمارك وغيرها بتطبيق قواعد هذا الاقتصاد ونظرياته.