تشكل زيادة قضايا الشيكات المرتجعة ضررا بالاقتصاد الوطني في ظل فقدان الشيك لهيبته وثقته وقيمته المعروفة، ومن الملاحظ زيادة دعاوى الشيكات في المحاكم خلال الفترة الأخيرة والسبب في ذلك يرجع إلى فقدان الشيك لعمله الطبيعي، حيث تحول من أداة وفاء إلى أداة ضمان في بعض الأحوال. إن الجهل بخطورة الشيك هو السبب وراء تفاقم القضايا وأن الشيك لابد أن يعود لوضعه الأصلي بأنه أداة وفاء وليس أداة ضمان، كما يتداول الآن، وأنه لابد للجهات المختصة والبنوك أن تضع تعليمات لمواجهة التعامل المتزايد بالشيكات. كما أنه يجب التحذير من فوضى الحصول على القروض، وتقديم بعض البنوك حوافز مغرية وتسهيلات تدفع كثيرا من الشباب للحصول على قروض كبيرة لإنفاقها على سلع وخدمات كمالية، مثل السيارات الفارهة والسفر أو لأغراض أخرى غير ضرورية، كما ساهمت في المشكلة الأعداد الكبيرة من الوافدين للعمل في البلاد من جميع الفئات والجنسيات وأغلبهم حصلوا على قروض، ليقعوا في فخ الديون المتعين تسديدها بموجب شيكات ويواجهون بعد ذلك أحكاما بالحبس لعدم قدرتهم على الوفاء وسداد أقساط القروض المستحقة عليهم. إن ظاهرة الشيكات المرتجعة والتي تشكل عبئا كبيرا تعاني منها المحاكم وهي بالآلاف سواء في المرحلة الابتدائية أو الاستئناف أو حتى في التمييز، وللأسف فإن البنوك تساهم في هذه المعاناة بإعطاء مزيد من القروض وتقديم التسهيلات باعتبار الراتب هو الضامن لهذه القروض وتساهلها في صرف دفاتر الشيكات دون ضوابط واضحة ومحددة. ومن التطبيقات العملية في المحاكم أن الشيك له شقان، الأول جنائي والثاني مدني، ولا يكتفي المستفيد من الشيك في رفع دعوى جنائية لمعاقبة مصدر الشيك بالحبس والغرامة، بل ومن حقه أيضا أن يقوم برفع دعوى مدنية عن ذات الشيك ليضمن صدور حكم لصالحه وتنفيذه عن طريق قاضي التنفيذ، كما يحق له طلب منعه من السفر كوسيلة ضغط عليه لسداد قيمة الشيك. وهنا بعض الحلول المقترحة لمعالجة هذه الظاهرة ومنها على سبيل المثال استخدام أمر التحويل البنكي غير القابل للإلغاء بديلا عن الشيكات، حيث يمكن لأمر التحويل البنكي أن يحل محل الشيك في بعض المعاملات، فضلا عن بحث إمكانية إصدار البنوك شيكات ضمان بحد ذاتها على أن يتم تقنينها، وأيضا منح صلاحيات أوسع للجهات التنفيذية في وزارة الداخلية للعمل على وضع حلول سريعة وصارمة بين المتنازعين في الشيكات المرتجعة ومحاولة حلها والتصالح عن طريق سداد قيمة الشيك وعمل تسوية وتصالح، مما سيخفف العبء عن المحاكم ويقلص ازدحام قاعاتها بقضايا الشيكات. ومنها أيضا يجب تفعيل نص المادة 604 من قانون التجارة رقم (27) لسنة 2006 حيث تجيز للمحكمة (إذا قضت بالإدانة في إحدى جرائم الشيك المنصوص عليها في قانون العقوبات أن تأمر بسحب دفتر الشيكات من المحكوم عليه ومنع إعطائه دفاتر جديدة لمدة لا تزيد على سنة). وأيضا المادة 605 من القانون ذاته ذهبت إلى أبعد من ذلك بإلزام النيابة العامة بنشر أسماء المدانين بتلك القضايا، حيث نصت على أنه (في حالة الحكم بالإدانة في إحدى جرائم الشيك المنصوص عليها في قانون العقوبات، تقوم النيابة العامة بنشر أسماء الأشخاص المحكوم عليهم في الجريدة الرسمية، مع بيان مهنتهم وموطنهم والعقوبات المحكوم بها). إن تفعيل المادتين المشار إليهما سيسهم بشكل كبير في تقليل عدد القضايا الخاصة بالشيكات المرتجعة ويحمي المجتمع والمدانين معاً ويمنعهم من ارتكاب المزيد من جرائم تحرير شيكات بدون رصيد، كما يجب على الإعلام المساهمة بحملات توعوية بمخاطر الشيكات بدون رصيد والنتائج المترتبة على الحصول على قروض غير ضرورية، فضلا عن إلزام البنوك بسحب شيكات المدانين والامتناع عن صرف شيكات جديدة لهم. وقد قام المشرع بنص القوانين التي تعاقب على هذه الظاهرة والمتمثلة في القانون رقم (11) لسنة 2004 بإصدار قانون العقوبات وبالأخص المادة (357) التي نصت على عقوبة الحبس التي لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز ثلاث سنوات، وبالغرامة التي لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال ولا تزيد على عشرة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، على كل من أعطى شيكاً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب، أو كان الرصيد أقل من قيمة الشيك أو سحب بعد إعطاء الشيك كل المقابل أو بعضه، بحيث لا يفي الباقي بقيمته أو أمر المسحوب عليه (البنك) بعدم صرفه أو تعمد تحرير الشيك أو التوقيع عليه بصورة تمنع صرفه هذه محاولة جادة من المشرع للحد من هذه الظاهرة، إلا أن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق مصدر الشيك، إذ عليه التأكد تماما من وجود رصيد قائم وقابل للسحب قبل التوقيع عليه وليجنب نفسه وأسرته الآثار السلبية المترتبة على هذه الجريمة.
