يتسع نطاق الجدل في الأوساط السياسية والاقتصادية في العالم حول انقسام البريطانيين حيال البقاء في منظومة الاتحاد الأوروبي أو الخروج منها والذي سوف يعتمد على نتائج استفتاء اليوم الخميس. ولا شك أن لهذا القرار في كلتا الحالتين تأثيرات عديدة سواء على مستوى الأوضاع ببريطانيا نفسها، أو على دول الاتحاد الأوروبي أو الدول التي تتعامل مع بريطانيا بشكل مباشر كمنطقتنا الخليجية. والكل يعلم بأن الدول الخليجية لها علاقات تاريخية وسياسية واقتصادية قديمة مع بريطانيا، وتوسعت هذه العلاقات خاصة في المجالات الاقتصادية. وحتى اليوم لم يقم أي مركز دراسات في الخليج بتقييم أو تناول تأثيرات خروج أو بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي على الدول الخليجية، وخاصة على الجانب الاقتصادي منه، اللهم بعض ما تمّ تناوله مؤخرا في الصحافة العالمية من أن جميع دول مجلس التعاون يساورها القلق من احتمالات التصويت بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وهذا التخوف الخليجي يرتكز فقط على الناحية الاقتصادية نتيجة لوجود بعض الاستثمارات المباشرة للمؤسسات المالية والمحافظ الخليجية في قطاعات عقارية في بريطانيا. هناك قلق اليوم بأن جميع الاستثمارات في بريطانيا سوف تتأثر، بدرجة أو بأخرى، وأن البنوك قد تواجه بعض المصاعب من جراء التصويت السلبي بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يزيد من مخاوف المستثمرين الخليجيين، باعتبار أن هناك عددا من صناديق الثروة السيادية الخليجية قد استثمرت في الأصول البريطانية. وقد أصبح مستثمرو الخليج حذرين من هذا الأمر وجعلهم اليوم يحجمون عن عقد صفقات جديدة بسبب الخوف من احتمال انهيار أسعار العقارات في حالة انسحاب بريطانيا مـن الاتحاد الأوروبي. وقد بدأت هذه العقارات بالفعل في بعض التراجع وفق بيانات عدة شركات عقارية ببريطانيا. كما أن التدفقات الإجمالية لرؤوس الأموال الأجنبية على العقارات التجارية قد تراجعت في الربع الأول من العام الجاري وفق تصريح محافظ بنك إنجلترا المركزي. وتتوقع بعض المؤسسات البريطانية ومنها الخزانة البريطانية بأن تتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة ما بين 10 إلى 26% في حالة التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسوف تستغرق هذه العملية عدة سنوات أيضا. العالم من جانبه يريد أن يرى الاتحاد الأوروبي قويا بوجود بريطانيا بين بقية الدول الأوروبية في هذه المنظومة نظرا للعلاقات التجارية والاستثمارية لبريطانيا مع كافة دول العالم. ومؤخرا فقد حذر وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله من أن خروج بريطانيا سوف يحرمها من مزايا عضوية السوق الأوروبية الموحدة التي تضمن حرية انتقال الأشخاص والسلع داخل أوروبا، موجها كلامه للبريطانيين بأن يعلموا أن ثمن الخروج من الاتحاد هو الخروج من أكبر منطقة تجارة حرة في العالم بما يحمله ذلك من عواقب على الوظائف وحركة التجارة. استطلاعات الرأي الحديثة تشير إلى انقسام الأصوات بالتساوي تقريبا، بين المعسكر المؤيد للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي والمعسكر المؤيد للخروج، والأسواق الأوروبية منشغلة حاليا وخاصة الألمانية منها في التفكير بالتأثيرات السلبية المحتملة في حال انسحبت بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، وألا يؤدي الخروج إلى انتشار الإقدام دول أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، الأمر الذي سوف يشكل تهديداً كبيراً على استقرار منطقة اليورو. ما يهمنا هنا في المنطقة هو ألا يؤدي انسحاب بريطانيا إلى حصول الضرر للمستثمرين الخليجيين خاصة وأن المنطقة تعاني من تبعات تراجع أسعار النفط العالمية، حيث إن ذلك سرعان ما سينعكس سلبا على أسواق المال وعلى الأصول المستثمرة. والجميع يأمل بأن يرى أوروبا قوية بوجود بريطانيا وأن تبقى لندن كعهدها بوابة لعالم المال والاستثمار. haiderdawood@hotmail.com