الكرة اليمنية.. مأساة مدرِّب.. وملهاة إتحاد..!

عُذرًا لو خلطت المأساة بالملهاة.. وحسبي لتبرير هذا الخلط أنَّنِي خارج للتو من وعكة صحية كان أبرز أعراضها، نُزول مصحوب بنسخة من تلك الحُمَّى التي لم يجد شاعرنا العربي القديم من وصف لها سوى قوله (وزائِرتي كأنَّ بها حياءٌ.. فليس تزور إلاَّ في الظلامِ) وأما بعد.. فقد آلمني الرحيل الحزين لمدرب المنتخب اليمني لكرة القدم الكابتن سامي نعاش متأثرا بفيروس كورونا الذي تسبب أيضا برحيل مدرب نادي الصقر اليمني وهو المصري إبراهيم يوسف.. وكلاهما غادر الحياة في مدينة عدن.. والموجع أكثر في وفاة سامي نعاش هو ما رافق مشواره مع منتخب بلاده من عدم تقدير مسؤولي اتحاد كرة القدم لعطائه، وهو المدرب الذي لم يهبط على المهمة بالباراشوت وإنَّما بتزكية تاريخٍ ناصعٍ للاعب متميز، ومدرب متمرس قاد منتخبات الفئات العمرية المختلفة بكفاءة، وسط مناخات كانت دائما غير مساندة - حتى لا أقول مناخات موَّاتة - وما يثير حنَقك كمتابع - حتى لو كانت أعصابك في ثلاجة حفظ الأسماك - أن من أهملوه وغمطوا حقوقه مستغلِّين نُبلَه وإنكاره لذاته، ومحبته لمهمته على رأس المنتخب هم من تصدروا مشهد التعبير عن الحزن لرحيله المؤسف.. ولقد أحسن الذي صاغ رسالة تعزية رئيس الفيفا جياني إنفانتينو عندما وصف نعاش بأنه أسطورة الكرة اليمنية.  بذات وصف رئيس الاتحاد الآسيوي الشيخ سلمان بن إبراهيم بأن الفقيد أسهم في إثراء الكرة اليمنية.. غير أنَّ من النفاق والتبلد عدم التوقف السريع أمام نهاية مدرب كان ضحية اتحاد بلاده قبل أن يخسر معركته مع فيروس كورونا.  ولن أخبط هنا العشواء، وإنَّما سأورد حكاية تصريح قديم للنعاش نبش فيه تفسير حالة مدرب لمنتخب بلاده مات بلا حقوق يحصل عليها أي مدرب بائس في قاع الأرض.. يقول سامي نعاش في تصريح مبكر على ما وصل إليه: يوجد في اتحاد كرة القدم من لا يطيقني ويحاربني حربًا ضروسًا رغم أنّني أقوم بعملي على أكمل وجه.. أمَّا السبب فلأن هذا المدرب كان يرفض التدخل في عمله شأنه شأن أي مدرب يحترم مهنته.. تلك كانت مكاشفته بوجعه في حوار صحفي، فماذا قال الفقيد عندما طلب منه برنامج في قناة تلفزيونية محلية أن يكتب على سبورة برنامج (هل هلالك) لقناة الغد المشرق..؟ لقد لَخَّص سامي نعاش ما يعتمل في نفسه من الأحلام والأوجاع في عبارة إيجابية قال فيها بالنص: أتمنى أن تستقر بلادي ويعود لها الأمن والأمان، وأن يُعطَى اهتمام كبير لمنتخباتنا الوطنية لكرة القدم - لكنه مات وهو يعاني على رأس هرمها الفني - ثم ماذا أيها المدرب الذي غادرتنا تاركا كل هذا القدر من الوجع عند محبيك..؟ أعرف شخصيا خصوصيتك في الصراحة التي تجعل أي إعلامي مهما كانت قدراته في الحوار محدودة يخرج من حواره معك بآراء صريحة وأفكار جريئة.. ولذلك.. سأختم بالتساؤل.. ما هذه العقد الوجدانية والنفسية التي جعلتنا نخذلك حيًّا ونذرف دموع التماسيح عليك ميِّتًا..؟ وها نحن نبدأ رحلة إعلان عدم الثقة في مساعدك الكابتن أحمد علي قاسم باحثين عن أسماء تحتاج إلى وقت لتعرف ما يعرفه عن منتخب يقف بلا مباريات تجريبية على بعد أيام من مواجهة له أمام السعودية ضمن تصفيات كأس العالم، ما يؤكِّد حرصنا على دفع الكثير هناك واستكثار القليل على الأكثر إدراكا والأغزر عرقا هنا، ولسان حالنا إثبات أن زمَّار الحي لا يُطرِب.. وأخيرًا..هل قلت في نقطة وفاصلة (دموع التماسيح..؟) وإذًا.. لابد من الإشارة إلى أنَّ التماسيح تذرف الدموع كلما التهمت فريسة.. والعهدة على فقهاء بعض البرامج العلمية..!